للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبي: يحتمل أنهنَّ لم يطعن الناهي؛ لكونه لم يصرح لهن بأنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - , نهاهنَّ فحملن ذلك على أنّه مرشد إلى المصلحة من قبل نفسه, أو علمن ذلك لكن غلب عليهن شدة الحزن لحرارة المصيبة (١).

قال العيني: وهذا الذي قاله حسن، وهو اللائق في حق الصحابيات؛ لأنه يبعد أن يتمادين بعد تكرار نهيهن على محرم (٢).

ثم الظاهر أنّه كان في بكاءهن زيادة على القدر المباح, فيكون النهي للتحريم, بدليل أنّه كرره وبالغ فيه، وأمر بعقوبتهن إن لم يسكتن, ويحتمل أن يكون بكاء مجردًا والنهي للتنزيه, ولو كان للتحريم لأرسل غير الرجل المذكور لمنعهن؛ لأنّه لا يقر على باطل ويبعد تمادي الصحابيات بعد تكرار النهي على فعل الأمر المحرَّم.

وفائدة نهيهن عن الأمر المباح خشية أن يسترسلن فيه فيقضي بهذا إلى الأمر المحرم, لضعف صبرهن, فيستفاد منه جواز النهي عن المباح عند خشية إفضائه إلى ما يحرم (٣).

[١٥٨ أ/ص]

(فَقُلْتُ) أي: قالت عائشة - رضي الله عنها -: فقلت لرجل: (أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ) بالراء والغين المعجمة أي ألصق الله أنفك بالرغام بفتح الراء: وهو التراب (٤)، إهانة وإذلالًا دعت عليه من جنس ما أمر أن يفعل بالنسوة؛ لفهمها من قرائن الحال أنه أحرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ,/بكثرة تردده إليه في ذلك.

(لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ) به (رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -) أي: من نهيهن, وإن كان نهاهن؛ لأنّه لم يترتب على فعله الامتثال فكأنّه لم يفعله أي: لم يفعل الحثو بالتراب.

وقال الحافظ العسقلاني: لفظة لم يعبر بها عن الماضي, وقولها ذلك وقع قبل أن يتوجه فمن أين علمت أنه لم يفعل, فالظاهر أنها قامت عندها قرينة, بأنّه لا يفعل, فعبّرت عنه بلفظ الماضي مبالغة


(١) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٢/ ٥٨٨).
(٢) عمدة القاري (٨/ ٩٥).
(٣) فتح الباري (٣/ ١٦٨).
(٤) الصحاح [رغم] (٥/ ١٩٣٤).