للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإذا جزع ولم يصبر، أثم وأتعب نفسه، ولم يرد من قضاء الله تعالى شيئًا، ولو لم يكن من فضل الصبر إلا الفوز بدرجة المعية، أنّ الله مع الصابرين، لكفى, فنسأل الله العفو والعافية والرضى والمحبة، إن الله يحب الصابرين.

واعلم: أن المصيبة كير العبد الذي يسبك فيها [حاصله] (١)، فإمّا أن يخرج ذهبًا أحمر، وإمّا أن يخرج خبثًا كله، كما قيل:

سبكناه ونحسبه لجينا. . . . فأبدى الكير عن خبث الحديد (٢).

فإن لم ينفعه هذا الكير في الدنيا. . . . فبين يديه الكير الأعظم.

فإذا علم العبد أنّ إدخاله الكير في الدنيا وسبكها خيرًا له من ذلك الكير والسبك، وأنّه لا بدّ من أحد الكيرين، فليعلم قدر نعم الله تعالى عليه في الكير العاجل، فالعبد إذا امتحنه الله بمصيبة فصبر عند الصدمة الأولى، فليحمد الله تعالى على أنّ أهله, لذلك [وثبيه] عليه.

وقد اختلف: هل المصائب مكفرات أو مثيبات؟

فذهب الشيخ عز الدين بن عبد السلام في طائفة، إلى أنه: إنّما يثاب على الصبر عليها؛ لأنّ الثواب إنّما يكون على فعل العبد، والمصائب لا صنيع له فيها، وقد يصاب الكافر مثل ما يصيب المسلم (٣).

وذهب آخرون إلى أنّه يثاب عليها لقوله تعالى: {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: ١٢٠].

ولحديث الصحيحين: "والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله به عنه خطاياه كما تحط الشجرة اليابسة ورقها" (٤).


(١) [حال]
(٢) عيون الأخبار، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: ٢٧٦ هـ)، دار الكتب العلمية بيروت، ١٤١٨ هـ (٢/ ٧).
(٣) تسلية أهل المصائب، محمد بن محمد بن محمد، شمس الدين المنبجي (المتوفى: ٧٨٥ هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م (ص: ١٧٣).
(٤) صحيح البخاري، كتاب المرضى، باب قول المريض: " إني وجع، أو وا رأساه، أو اشتد بي الوجع (٧/ ١١٩)، (٥٦٦٧). *صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض (٤/ ١٩٩١)، (٢٥٧١).