للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي الحديث: أن مكة حرام, ويحرم فيها أشياء مما يحل في غيرها من البلاد، فإن قيل: في الحديث: "أن الله حرم مكة" وفي حديث صحيح: "أن إبراهيم - عليه السلام - حرم مكة" (١). فالجواب: أن المراد أن إبراهيم - عليه السلام - أبلغ تحريم الله لها، فكان التحريم على لسانه، فنسب إليه (٢).

وحكى الماوردي وغيره الخلاف بين العلماء في ابتداء تحريم مكة؛ فذهب الأكثرون إلى أنها ما زالت محرمة, وأنه خفى تحريمها فأظهره إبراهيم - عليه السلام - وأشاعه, وذهب آخرون إلى أن ابتداء تحريمها من زمن إبراهيم - عليه السلام - وأنها كانت قبل ذلك غير محرمة كغيرها من البلاد, وإن معنى حرمها الله يوم خلق السموات والأرض: أنه قدر ذلك في الأزل أنه سيحرمها على لسان إبراهيم - عليه السلام - (٣).

وقيل: معناه أنه كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السموات والأرض أن إبراهيم - عليه السلام - سيحرم مكة بأمر الله تعالى (٤).

[٢٢٧ أ/ص]

ثم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أحلت لي ساعةً من نهار" دليل لأبي حنيفة: أن مكة فتحت /عنوة لا صلحًا (٥)؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - فتحها بالقتال. وبه قال الأكثرون, وسيجيء في حديث أبي شريح العدوي

"فإِنْ أحدٌ ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، فقولوا له: إن الله أذِن لرسوله، - عليه (٦) - ولم يأذن لكم, وإنما أذن لي ساعةً من النهار" (٧).

وذهب الشافعي وجماعة إلى أنها فتحت صلحًا وتأولوا الحديث على أنه أبيح له القتال لو احتاج إليه, ولو احتاج إليه لقاتل ولكنه لم يحتج إليه (٨).


(١) صحيح مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبركة (٢/ ٩٩١) (١٣٦١).
(٢) عمدة القاري (٨/ ١٦٢).
(٣) الأحكام السلطانية، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: ٤٥٠ هـ) دار الحديث - القاهرة (ص ٢٥٠).
(٤) شرح صحيح مسلم للنووي (٩/ ١٢٤).
(٥) المبسوط (١٠/ ٣٧).
(٦) عليه زاد على أصل الحديث.
(٧) صحيح البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب: لا يعضد شجر الحرم (٣/ ١٤) (١٨٣٢).
(٨) شرح السنة للبغوي (١١/ ١٥٣).