للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال صاحب الكشاف: "فطرةَ الله" نصب بالإغراء أي: الزموا، ومعناه: أنه خلقهم قابلين للتوحيد ودين الإسلام؛ لكونه على مقتضى العقل والنظر الصحيح، حتى لو تركوا وطباعهم لما اختاروا عليه دينا. انتهى (١). وفيه تلميح إلى مذهبه في الحسن والقبح.

[١٠٥ ب/ص]

وقال الطيبي: كلمة "من" الاستغراقية في سياق النفي يفيد العموم، كقولك: ما أحد خير منك، والتقدير: ما مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على هذا الأمر، والفطرة / تدل على نوع منها، وهو الابتداء والاختراع: كالجلسة والقعدة، والمعنى بها ههنا: تمكن الناس من الهدي في أصل الجبلة، والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها؛ لأن هذا الدين حسنه مركوز موجود في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية وللتقليد، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: ١٦] (٢).

والفاء في قوله (فَأَبَوَاهُ) إما للتعقيب وهو ظاهر, وإما للتسبيب أي: إذا تقرر ذلك فمن تغير فإنما تغير بسبب أبويه؛ حيث إنهما (يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) أي: يعلمانه ما هم عليه ويصرفانه عن الفطرة، أو يرغبانه في ذلك، أو يكون تبعا لهما في الدين بولادته على فراشهما فيكون حكمه حكمهما في الدنيا، فإن سبقت له السعادة أسلم إذا بلغ, وإلا مات على كفره، وإن مات قبل بلوغه فالصحيح أنه من أهل الجنة. ولا عبرة بالإيمان الفطري في الدنيا، وإنما العبرة بالإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والفعل، فطفل اليهوديين مثلًا- مع وجود الإيمان الفطري- محكوم بكفره في الدنيا تبعًا لأبويه.

[٢٤١ أ/س]

فإن قيل: /الضمير في "فأبواه" راجع إلى كل مولود، وهو عام، فيقتضي تهويد كل المواليد أو نحوه؛ وليس كذلك لبقاء البعض على فطرة الإسلام.

فالجواب: أن الغرض من التركيب أن الضلالة ليست من ذات المولود، ومقتضى طبعه؛ بل أينما حصلت فإنما هي بسبب خارج عن ذاته (٣).


(١) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٣/ ٤٧٩).
(٢) الكاشف عن حقائق السنن (٢/ ٥٤٦).
(٣) الكواكب الدراري (٧/ ١٣٤)، وعمدة القاري (٨/ ١٧٧).