للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومن ثمة استنكر الخطابي وضع الجريد ونحوه على القبر عملًا بهذا الحديث, وكذا الطرطوشي في سراج الملوك قالا: إن ذلك خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لبركة يده المقدسة, وبعلمه بما في القبور وجرى على ذلك ابن الحاج في مدخله (١).

وما تقدم من أن بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - أوصى بأن يجعل في قبره جريدتان، محمول على أن ذلك رأي له, ولم يوافقه أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - في ذلك، ويحتمل أن يكون المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطبًا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح، وحينئذ فيطرد في كل ما فيه رطوبة من الرياحين والبقول وغيرها، وليس لليابس تسبيح قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] أي شيء حي، وحياة كل شيء بحسبه، فالخشب حي مالم ييبس، والحجر حي ما لم يقطع من معدنه، والجمهور أنه على حقيقته، وهو قول المحققين؛ إذ العقل لا يحيله, أو المراد هو التسبيح بلسان الحال باعتبار دلالته على الصانع، وأنه منزه (٢).

وقد سبق هذا الحديث في باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله, وقد مر التفصيل فيه أيضًا.

(تذييل) وعن شفى بن مانع الأصبحي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى". قال: "فرجل مغلق عليه تابوت من جمر، ورجل يجر أمعاءه، ورجل يسيل فوه دمًا وقيحًا، ورجل يأكل لحمه. فيقال لصاحب التابوت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد قد مات وفي عنقه أموال الناس، ثم يقال للذي يجر أمعاءه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول منه، ثم يقال للذي يسيل فوه دمًا وقيحًا: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الآذى؟ فيقول: إن الأبعد كان ينظر إلى كلمة (٣)، فيستلذها كما يستلذ الرفث، ثم يقال للذي يأكل لحمه: ما بال الأبعد قد


(١) معالم السنن (١/ ١٩) وسراج الملوك، أبو بكر محمد بن محمد ابن الوليد الفهري الطرطوشي المالكي (المتوفى: ٥٢٠ هـ) من أوائل المطبوعات العربية - مصر، ١٢٨٩ هـ، ١٨٧٢ م (ص ١٥٥). والمدخل، أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج (المتوفى: ٧٣٧ هـ)، دار التراث، بدون طبعة وبدون تاريخ (٣/ ٢٨١).
(٢) فتح الباري (١/ ٣٢٠)، إرشاد الساري (٢/ ٤٥٤).
(٣) [قذعة خبيثة] كما جاء في بعض الروايات.