للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[٢٥٠ أ/ص]

وفي حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، كما عند أحمد والبزار والطبراني: رجل من الأنصار. ويجمع بتعدد القائلين، وفي حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: "فقال أصحابه" (١): (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا. . .؟) أي: أنعمل؟ (٢) ولا نعتمد /على ما كتب الله وقدره علينا (وَنَدَعُ الْعَمَلَ) أي: ونتركه.

(فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ) أي: فسيجر به القضاء (إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ) قهرًا، يكون مآل حاله ذلك البتة بدون اختياره. (وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ) أيضًا.

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ) على البناء للمفعول, ذكره بلفظ الجمع باعتبار معنى الأهل (لِعَمَلِ) أهل (السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ) أهل (الشَّقَاوَةِ).

ولما كان حاصل سؤالهم أنه إذا كان الحال كذلك فلم لا نترك المشقة التي في العمل الذي لأجلها سمى بالتكليف؟ فإنا سنصير إلى ما قدر علينا.

أجاب - صلى الله عليه وسلم - بأنه "لا مشقة ثمة؛ إذ كل ميسر لما خلق له، وهو يسير على من يسر الله تعالى عليه (٣).

فإن قيل: إذا كان القضاء الأزلي يقتضي ذلك، فلِم المدح والذم والثواب والعقاب؟

فالجواب: أن المدح والذم باعتبار المحلية لا باعتبار الفاعلية، وهذا هو المراد بالكسب المشهور عن الأشاعرة، وذلك كما يمدح ويذم الشيء بحسنه وقبحه وسلامته وعاهته. وأما الثواب والعقاب فكسائر العاديات، فكما لا يصح عندنا أن يقال: لم خلق الله تعالى الاحتراق مماسة النار ولم يحصل ابتداء؟ فكذا هنا (٤).

وقال الطيبي في شرح المشكاة: الجواب من الأسلوب الحكيم؛ منعهم - صلى الله عليه وسلم - عن الاتكال وترك العمل، وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية، لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا


(١) إرشاد الساري (٢/ ٤٥٤).
(٢) [هكذا مكتوب في المخطوط وفي نسختين] ولكن ورد في "الفتح الباري" (١١/ ٤٩٧)، بلفظ: "أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل أي نعتمد على ما قدر علينا".
(٣) عمدة القاري (٨/ ١٨٨).
(٤) عمدة القاري (٨/ ١٨٨).