للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦] يعني أنتم عبيد ولا بد لكم من العبودية فعليكم بما أمرتم، وإياكم والتصرف في الأمور الإلهية فلا تجعلوا العبادة وتركها سببًا مستقلًا لدخول الجنة والنار؛ بل إنها علامات فقط. انتهى (١).

وقال الخطابي: لما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سبق الكتاب بالسعادة رام القوم أن يتخذوه حجة في ترك العمل، فأخبرهم أن ههنا أمرين لا يبطل أحدهما الآخر: باطن هو العلة الموجبة في حكم الربوبية، وظاهر هو التتمة اللازمة في حق العبودية، وإنما أمارة مخيلة في مطالعة علم العواقب غير مفيدة حقيقة، وبين لهم أن كلًا ميسر لما خلق له، وأن عمله في العاجل دليل مصيره في الآجل (٢).

[٢٥١ أ/س]

[١١٠ ب/س]

ولذلك تمثل بقوله تعالى: (ثُمَّ قَرَأَ) - صلى الله عليه وسلم - (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى) أي: الطاعة، (وَاتَّقَى) أي: المعصية (الآيَةَ) أي: قرأ الآية /بتمامها؛ وهي قوله تعالى: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: ٦] / أي: بالكلمة الحسنى وهي ما دل الحق، وهي كلمة التوحيد، {فَسَنُيَسِّرُهُ}، أي: فسنهيئه {لِلْيُسْرَى} أي: للخلة التي تؤدي إلى يسر وراحة كدخول الجنة، والوصول إلى نعيمها والتلذذ بلذاتها {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} بما أمرته به {وَاسْتَغْنَى} بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} أي: للخلة الموجبة للعسر والشدة كدخول النار، والتألم بآلامها العظمى، ونظيره الرزق المقسوم مع الأمر بالكسب، والأجل المضروب مع التعالج بالطب، فإنك تجد الباطن منهما على موجبه، والظاهر سببا مخيلًا، وقد اصطحلوا على أن الظاهر منهما لا يترك للباطن هذا (٣).

وقال النووي: في الحديث دلالة على إثبات القدر, وأن جميع الواقعات بقضاء الله وقدره لا يسأل عما يفعل (٤).

وقيل: إن سر القدر ينكشف للخلائق إذا دخلوا الجنة، ولا ينكشف لهم قبل دخولها (٥).


(١) شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (٢/ ٥٣٨).
(٢) أعلام الحديث (٣/ ٤٢٨).
(٣) أعلام الحديث (٣/ ٤٢٨).
(٤) شرح صحيح مسلم للنووي (١٦/ ١٩٦).
(٥) فتح الباري (١١/ ٤٧٧)، وعمدة القاري (٨/ ١٨٩).