للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحِكْمَة في هَذَا ظاهرة؛ لِأَنَّهُ هنا جواب لشبهة أوردت عليه، فناسب أن يُبَيِّن الحِكْمَة فيما يختص بالنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لِأَنَّهُ كما هو معروف أن البشرَ بشر، يمكن أن يتأثَّر بما يورَد عليه من الشبهات؛ كما قال: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ} [الإسراء: ٧٤].

وقوله: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أتينا به شيئًا بعد شَيْءٍ]، وعلى هَذَا يَكُون الترتيل بمعنى التنزيل، وعندي أن الترتيل أخصُّ، يعني أن المعنى جعلناه مرتَّلًا، يعني بعضه يعقب بعضًا، وكل آية منه منفصِلة عن الأخرى، فكأن هَذِهِ الآيات مراحل للمسافر، والمسافر إذا كان له مراحل في سفرِه يهوَّن عليه السفرُ، وتَنْقُضُ هَذِهِ المراحل تعبَ سفرِه، لكِن إذا كان دائمًا في مَسيرٍ وَاحِدٍ يَشُقُّ عليه، وكون النفس ترتاح للقرآن بسَبَب هَذِهِ الآيات والترتيل أمرٌ معلومٌ، وتجزئة القُرْآن أيضًا لهذا السَّبب؛ أي لأجل أن يقطع الإنْسَان القُرْآن مرحلةً مرحلةً، فيهون عليه ويقوى في قراءته، وكذلك أيضًا جَعْلُهُ سوَرًا، كل سورة مستقلَّة عن الأخرى، هَذَا أيضًا من أسباب تنشيط القارئ واستمراره في قراءته، إذَن ترتيل القُرْآن بالآيات والسور هَذَا مما يفيد القارئ ويُكْسِبه نشاطًا وقوةً على القُرْآنِ حفظًا وفهمًا.

وكذلك أيضًا من فوائد الترتيل أيضًا أن العمل يأتي للناس شيئًا فشيئًا، ما ظنك لو أنَّ القُرْآن الكريم نزل جملةً وَاحِدةً على النَّاس بجميع أحكامه، هل يستوعب النَّاس هَذِهِ الأحكام ويقومون بها أو لا؟ لا يمكن، هَذَا صعب جدًّا، وليس من طَريق التربية أو التنشئة، ولكن بحكمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كما هو شأن اللَّه جَلَّ وَعَلَا في كل شَيْء من الأمور القدرية والأمور الشرعية أَنَّهُ يُنَشِّئُها تَنْشِئَةً، حتى الأمور الكونية تُنَشَّأ تَنْشِئَةً، فالجنين في بطن أمه يبقى مدة، في بني آدم تسعة شهور، وفي غيره من الدواب بحسبها، المهم لا بد من تنشئة، الليل والنهار لا يأتي دفعة وَاحِدة،

<<  <   >  >>