للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: ٨٣]، يعني من الَّذِينَ يَفعَلون هَذَا الفعلَ ليستْ ببعيدٍ منهم.

ولهذا ذهب بعضُ الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أن فاعل الفاحشة هَذِهِ يُفعَل به هكذا، يُلقَى من شاهقٍ ويُرمَى بالحجارة بناءً على أنها رُفِعت ثم قُلبت ثم أُتبعت بالحجارة، وقال بعض العلماء: بل إنهم يُرجَمون رجمًا بالحجار بدون أنْ يُلْقَوْا من الشاهقِ، بناء على أنَّهُ لم يَثْبُتْ أنها رُفِعَتْ وقُلِبَتْ.

وعلى كلِّ حالٍ فهَذِهِ الفاحشة المنكَرة الَّتِي عبَّر اللَّه عنها بالفاحشة، قال تَعَالَى في الزنا: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: ٣٢]، انظُرْ: كان فاحشةً من الفواحشِ، وَأَمَّا هَذَا فقال لهم نبيهم: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف: ٨٠]، فدخول (أل) عليها يدل على أنها قد بلغتْ في الفُحْش غايتَه، وهو كذلك، وهذا لِأَنَّ الفِطَر تنفُر منه {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: ١٦٥ - ١٦٦]، انظُرْ التقريع والتوبيخ -والعياذ باللَّه- تترك ما خلق لك إلى ما لم يُخْلَقْ لك، فتأتي -والعياذ باللَّه- الذكر، وقال شيخ الإِسلام ابن تيميَّة رَحِمَهُ اللَّهُ (١): وقد أجمعَ الصحابة -رضي اللَّه عنهم- عَلَى أَنَّ فاعل هَذِهِ الفاحشةِ يُقتل فاعلًا كان أو مَفْعُولًا إذا كان قد بلغَ. والحقيقةُ الإجماعُ ليسَ إجماعًا قطعيًّا، بل إجماعٌ سكوتيٌّ، والإجماع السكوتيّ ليس إجماعًا قطعيًّا، لَكِنَّهُم اختلفوا في قتلِه؛ فمنهم من قال: يحرَّق، ومنهم من قال: يُرجَم بالحجارة. ومنهم مَن قال: يُلقَى من أعلى شاهقٍ، وذلك لقول النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ، وَالمَفْعُولَ بِهِ" (٢).


(١) منهاج السنة النبوية (٣/ ٤٢٢).
(٢) أخرجه أبو داود: كتاب الحدود، باب فيمن عمِل عملَ قوم لوط، رقم (٤٤٦٢)، والترمذي: أبواب الحدود، باب ما جاء في حد اللوطيّ، رقم (١٤٥٦)، وابن ماجه: كتاب الحدود، باب من عمِل عملَ قوم لوط، رقم (٢٥٦١).

<<  <   >  >>