للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يُشترَط الإحصان، فلا يشترط أن يَكُونَ محصَنًا، في الزِّنا لا يُرجَم ولا يُعدَم إلَّا المحصَن، أمَّا هَذَا فَإِنَّهُ لا يُشترَط فيه الإحصانُ، متى كان بالغًا عاقلًا وجبَ إعدامُه؛ وذلك لِأَنَّ هَذَا الفعلَ المنكَر لا يمكن التحرُّز منه في الحقيقةِ، فالزنا يمكن التحرُّز منه ويمكن مراقبة مَن حاول الزنا، فإنك لو رأيتَ رجلًا مع امرأةٍ تقولُ: من هَذِهِ المرأة؟ لكِن لو رأيتَ رجلًا مع ولدٍ ليسَ بمستغرَبٍ، ولذلك مِنْ أجْلِ أنَّ فسادَه خفيٌّ لا يمكن التحرُّز منه؛ صار لا يمكِن إصلاح الخَلْق إلَّا بإعدامِه، وهو مصلحة له ومصلحة لغيرِه، أمَّا كونُه مصلحةً له فإن الحدَّ كفَّارة، ولأنه إذا بقِيَ في الدُّنْيا متماديًا في هَذِهِ الفاحشةِ صار يزدادُ إثمًا، فنحن في الحقيقةِ قد قطعنا الطَّريقَ على الشيطانِ بالنسبةِ لهذا الرجلِ، ثم هو أيضًا إصلاح لغيرِه.

وهذا القول الَّذِي ذكره شيخُ الإِسلامِ وأجمعتْ عليه الصحابة -رضي اللَّه عنهم- هو القول المتعيّن، لا سيَّما إذا كثُر هَذَا الأمرُ؛ لِأَنهُ كلَّما كثُرتِ الفاحشةُ وجبَ أن تُقابَلَ بعقوبةٍ أشدَّ، إلَّا ما حدَّده الشرعُ فيَجِب الوقوفُ عليه، وتجد أن عمرَ -رضي اللَّه عنه- لمَّا أكْثَرَ النَّاسُ من شربِ الخمرِ ماذا صنعَ؟ زاد الضعف إلى ثمانينَ (١)، ولما كثُر الطلاقُ الثلاثُ في عهدِه عاقبَ المطلِّقين بتنفيذِ قولهِم، أمضاهُ عليهم (٢).

فعلى هَذَا نقول: إِنَّهُ إذا كثُرتْ هَذِهِ الفاحشةُ وجبَ على وُلاةِ الأمورِ أنْ يَكُونوا أشدَّاءَ على فاعليها، وأن يقتلوهم إعدامًا بدون أيّ توقُّف؛ لِأَنَّ ذلك هو الَّذِي يُصلِح الخَلْقَ، وإلَّا فانتشارها مثلما قُلْنا: إِنَّهُ لا يمكن التحرُّز منه، وانتشارها عظيم، كل وَاحِد مثلًا -والعياذُ باللَّهِ- مبتلًى بهذا الأمر، يُمسِك أيّ صبيّ ويعاشره ثم يفعل به


(١) أخرجه مسلم: كتاب الحدود، باب حد الخمر، رقم (١٧٠٦).
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الطلاق، باب طلاق الثلاث، رقم (١٤٧٢).

<<  <   >  >>