للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالحاصل: أن هَذِهِ الأقوالَ الأربعةَ أصحُّها القولُ الأوَّل، لكِن مَن أُكرِه على فعل الفاحشةِ فلا شَيْءَ عليه في هذا, ولا في غيرِه؛ لأن من شروط إقامةِ الحدِّ أن يَكُونَ غير مكرَه، حتى المرأة لو أُكرِهت على الزنا لا يُقام الحدُّ عليها، وهذا هو الَّذِي أوجبَ لبعضِ أهلِ العلمِ أن المرأةَ إذا حَمَلَتْ لا تُحَدّ، قال: لِأنَّهُ يَحتمِل أن تكون مكرَهةً، وهذا الاحْتِمَال يَدْرَأُ الحدَّ، ولكن الصحيح أن المرأةَ إذا حملتْ وليس لها زوجٌ ولا سيِّد يقام عليها الحدُّ؛ لخطبة أمير المؤمنين عمر -رضي اللَّه عنه- وقوله: "إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الحْبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ" (١) أمام النَّاس، ولا أحد أنكر عليه -رضي اللَّه عنه-، فهي يقام عليها الحد، يعني تؤخذ ويقال: هيا أقيموا الحدَّ عليها, لكنْ إن ادَّعت شُبهةً ممكِنة ارتفع عنها الحدُّ؛ لِأَنَّ الأمرَ محتمِل، وكثير من النساءِ يغلب على نفسه ويُفعل به الفاحشةُ.

واعْلَمْ أنَّ الزنا كما قَسَّمه الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وكذلك اللواط أنواع: زِنا الفَرْج، ولواط الفَرْج، وفيه أيضًا زِنا العين ولواط العين، وفيه أَيْضًا زِنا الأُذن ولواط الأذن، وزنا اليد ولواط اليد، وزنا الرِّجْل ولواط الرجل، يعني لا تظنَّ أنَّ اللواطَ خاصٌّ بفعل الفرج، بل حتى العين لو أن أحدًا تلذَّذ بالنظر إلى أمردَ قُلْنا: هَذَا الرجل تلوط به، لكِن تلوط به فعلا أو نظرًا؟ نظرًا, ولذلك يَجِب الحذرُ من هَذَا الأمرِ، حتى إن النَّوَوِيَّ (٢) وجَماعَةً من أهل العلمِ قالوا: إِنَّهُ لا يجوز النظرُ مُطلَقًا إلى الأمردِ الحَسَنِ إلحاقًا له بالمرأةِ، ولكن الصواب أنَّهُ يجوز إلَّا مع التلذُّذ بذلك، فهذا حرامٌ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا، رقم (٦٨٢٩)، ومسلم: كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنى، رقم (١٦٩١).
(٢) المنهاج (٤/ ٣١).

<<  <   >  >>