للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذِهِ ليستْ بهيِّنة؛ لِأَنَّهَا مَوْرُوثَة عن اليهودِ، فهل تَرْضَى أنْ تكونَ شَبيهًا باليهودِ؟ لا أحد يَرضَى، ومع ذلك تجدها في قلوب كثيرٍ من المؤمنينَ، والرياء في العِبَادَة أو في المظهَر موجودٌ أيضًا.

قوله: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي مَهْوِيَّه]، المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ فسَّر هَوى بمعنى مَهْوِيّ يعني فسر المصدر بمعنى اسْم المَفْعُولِ، يعني اتخذ إلهه هَذَا الحجر مثلًا، أو هَذِهِ الشجرة، يعني جعل الإلهَ الشجرةَ، والشجرة أو الحجر هي المَهْوِيّ، ولهذا فسَّر الهوى بـ (المهويّ)؛ لِأنَّهُ يريد أن يجعلَ الإلهَ هنا هو المعبودَ، ولكن الصواب أن الآيةَ على ظاهِرِهَا، وأن الإله هو الهوى، ومعنى ذلك أَنَّهُ جعل المتبوع الهوى، وكون الإنْسَان يَتْبَع غيرَه، سواء هوى نفسه أو كونه يتبع غيره، هَذَا من اتِّخاذِه إلهًا, ولهذا قال اللَّه تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ٣١]، فقال عَدِيُّ بنُ حَاتِمٍ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ. قالَ: "أَليْسَ يحرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونُهُ، ويُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟ ". قال: بَلَى، قَالَ: "فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ" (١).

فإذَن نقولُ: الآية على ظاهِرِها، يعني أنَّ الإلهَ هو الهَوَى نفسه، والهوى يَقُودُهُ إلى عِبَادةِ الشجَرِ والحَجَر، ويقوده إلى استحلالِ الزِّنا، وإلى استحلالِ الرِّبا، وإلى غير ذلك، فعليه الأَوْلَى جَعْل الآيةِ على ظَاهِرِهَا، وألَّا تُصْرَفَ إلى المعبودِ، خِلافًا للمؤلِّف رَحِمَهُ اللَّهُ.

وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [قدَّم المَفْعُولَ الثَّانيَ لِأنَّهُ أهمُّ]، أين المَفْعُول الثَّاني؟


(١) أخرجه الترمذي: أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم (٣٠٩٥)، واللفظ للطبراني في الكبير (١٧/ ٩٢، رقم ٢١٨).

<<  <   >  >>