أجاب المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ بأنه فَعَلَ ذلك لتعليمِ خَلْقِه التثبُّتَ، هذَا ما جَرَى عليه أهلُ العلمِ؛ أنَّ اللَّه جلَّ وَعَلَا خَلَقَها فِي ستَّةِ أيامٍ ليُبين للعبادِ أنَّ المقصودَ الإحكامُ، لا الإسراعُ، فيَتَثبت النَّاس فيما يَفعلُون، حَتَّى فيما قَدِروا عليه، فَإِنَّهُ يَنبغي أنْ يُلاحِظوا فِيهِ الإحكامَ دونَ الإسراعِ فِي تنفيذِه.
ورأيتُ كَلامًا لبعضِهم حَسَنًا؛ قَالَ: إن خلق السَّمواتِ والْأَرضِ له أسبابٌ، وهو عبارة عن تكوينٍ، والتكوينُ هذَا يَحتاجُ إِلَى مدَّةٍ، مثلَما يَنْشَأ الجنين فِي بطنِ أُمِّه شيئًا فشيئًا فِي مدَّةٍ، كَذَلِك هذَا الخلْقُ له أسبابٌ كَوَّنَتْه، هذه الأَسْبابُ كانتْ فِي هَذِهِ المدَّةِ: فِي سِتَّة أيام، لَكِنَّ هؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِهذَا القَوْلِ يرجِّحون القَوْلَ بأن المرادَ بالأيامِ أيامُ الآخِرة الطويلةِ، حَتَّى تكون التطورات الَّتِي أدَّتْ إِلَى الكمالِ مناسبةً، وعندي أن هذَا لَيْسَ بلازمٍ؛ لِأَنَّ اللَّه قادِرٌ عَلَى أنْ يَجعَلَ هذه الأَسْبابَ الَّتِي مِن شأنِها أنْ تَمتَدَّ لِعِظَمِ المخلوقِ أنْ يَكُونَ ذلكَ بهذه السرعةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
وإنما التعليلَ الأخيرَ يَكُونُ معناه سَبَب تأخُّرها، وأنها لم تَنْتَهِ إِلَّا فِي سِتَّةٍ؛ لِأَنَّها تحتاجُ إِلَى تَطَوُّرات، هذه التطوراتُ شيئًا فشيئًا حَتَّى تَنتهِيَ إِلَى الكمالِ، كما هو معروفٌ فيما نُشاهِد مِمَّا يخلُقه اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من غيرِ السَّمواتِ والْأَرْضِ، نجد أن هذه المخلوقات لا تأتي دَفْعَةً، وإنما لها أسباب وأحوال تَتَطَوَّر إليها، حَتَّى تَصِلَ إِلَى درجةِ الكمالِ.
قوله:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: {ثُمَّ} هذه هل هي للترتيبِ الذِّكري أو المعنويّ؟ المعنويّ؛ لِأَنَّ هذَا هو الأَصلُ أنها للترتيبِ المعنويّ، لا للترتيب الذكريِّ، والفرقُ بينهما أنَّهُ في الترتيبِ الذكريِّ لا يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ ما بعدَها متأخِّرًا عمَّا قبلها،