للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالجواب: بلى، لكِن هذَا العلوّ علوٌّ خاصٌّ بالنسبة للعرشِ، وقد مرَّ فِي العقيدةِ، ولا حاجةَ إِلَى التكرارِ أن أهل التعطيلِ حَرَّفوا معنى الاستواءِ إِلَى معنى الاستيلاءِ، وبَيَّنَّا هناك أن هذَا التحريفَ باطلٌ من عدة أوجهٍ لُغَوِيَّة وشرعيَّة وعَقليَّة، وأنه يَلْزَم عَلَى هذَا التفسيرِ لوازمُ باطلةٌ، لا تليق باللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وقوله: {الرَّحْمَنُ} أي المتَّصف بالرَّحمةِ، وَهِيَ إذا أُفردتْ عن الرَّحيم دلتْ عَلَى الصِّفةِ والفعلِ، والرَّحيم أَيْضًا إذا أُفردَتْ عنها دلَّ عَلَى الصِّفةِ والفعلِ، وإذا اقترنتا فُسِّر الرَّحمنُ بما يَتَعَلَّق بالصِّفةِ، والرَّحيم بما يَتعلَّق بالفعلِ، فعلى هذَا هنا انْفَرَدَت {الرَّحْمَنُ} فتَشْمَل الصِّفةَ والفعلَ؛ لِأَنَّ (فَعِيل) تدلُّ عَلَى إيقاعِ الفعلِ، سميع بمعنى سمع الصوت، رحيم بمعنى رحم الخَلْق، والرَّحمن يُشْبِهُها كلمة غَضْبَان، يَعنِي مُمْتَلِئًا غَضَبًا، كَذَلِك الرَّحمن يَعنِي واسِع الرَّحمةِ، ولهذا فسَّرهُ بعضُ السلفِ بقولِه: الرَّحمن ذو الرَّحمةِ العامَّةِ، والرَّحيم بالمؤمنينَ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كيف الجمعُ بَيْنَ قولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي آية الكُرسيّ: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: ٢٥٥]، وبين قولِه تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}؟

الجواب: لا يوجدُ خلافٌ بينهما، فالكرسيُّ شاملٌ للسماواتِ والْأَرْضِ، يَعْنِي لِعِظَمِه وكِبَرهِ يَكُون واسعًا لهما جميعًا، أي لكل السَّموات والْأَرضِ، والعرش فوقَه.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَاسْأَلْ} أيُّها الْإِنْسَان {بِهِ} بالرَّحمنِ {خَبِيرًا} يُخْبِرُك بصفاتِه]، المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ جعلَ الخطابَ فِي قولِه: {فَاسْأَلْ} لَيْسَ للرسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بل لجميعِ مَن يَصِحُّ خِطابُه؛ لِأَنَّ الأَصْلَ أنَّ الخطابَ الَّذِي يُفْرَدُ فِي القُرآنِ لجميعِ النَّاسِ، إِلَّا إذا دلّ الدليلُ عَلَى أَنَّهُ خاص بالرَّسولِ؛ لِأَنَّ القرآنَ نَزَلَ للجميعِ، فَهُوَ يخاطب الكلَّ ما لَمْ يدلُّ دليلٌ عَلَى أنَّهُ خاصٌّ بالرَّسولِ، مثل: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: ١]،

<<  <   >  >>