للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [مُعْرِضِينَ عنه] هَذَا غير صحيحٍ أَيْضًا، قد لا يُعرِضون عنه لكِن يفيدون ويَستفيدونَ، والْإِنْسَان الموفَّق يَستطيعُ أنْ يُفيد ويَستفيدَ، حَتَّى إذا كَانَ المجلسُ مَجْلِسَ لَغْوٍ، يَعْنِي كَلامًا مباحًا يَستطيعُ أنْ يحوِّلَهُ إِلَى كَلامٍ مطلوبٍ، وذلك بما يَستعرِضه مثلًا من كونِ هَذَا الشَيْءِ الَّذِي يَتَحَدَّثُونَ بِهِ دليلًا عَلَى قُدْر اللَّهِ، أو عَلَى رحمة اللَّهِ، أو عَلَى حِكمةِ اللَّهِ مثلًا، فيُفِيد ويَستفيد، لكِن هَذِهِ الأمور فِي الحقيقةِ تُرِيدُ رِجَالًا يَعْتَبِرُونَ أنفسَهم قادةً مُصْلِحِينَ، لا تُرِيد رجالًا يَعتبرونَ أنفسَهم مِن جِنْسِ مجُتمَعِهِم، يَمْشُونَ الهُوَيْنَى بدونِ إصلاحٍ؛ ولهذا يَفُوتُنا كثيرٌ فِي هَذِهِ الأمورِ، فنَجْلِسُ مجالسَ اللَّغْو لا نُفيد ولا نَستفِيد، غاية ما هُنالِكَ إنْ كَانَ الْإِنْسَانُ استحضرَ نيَّةَ التأليفِ وعدمِ الِانْزِوَاءِ، وَمَا أَشْبَهَ ذلكَ، وهذا خيرٌ، لكِن ولو، الخيرُ والأكملُ أنْ تحاوِلَ الإفادةَ والاستفادةَ.

وبعضُ النَّاسِ أَيْضًا يريدُ مِنَ المجالِسِ التسلِّي فقطْ، لا يريدُ معنًى وراءَ ذلك، وهذا فاتَهُ خَيْرٌ كثيرٌ، وعلى كلِّ حالٍ النَّاسُ يَختلِفون، والمسائلُ تعودُ عَلَى النيَّاتِ، وكم من عملٍ عَمِلَهُ شخصٌ وعمِله آخرُ، فصار بينهما مثلُ ما بَيْنَ السَّمَاءِ والْأَرْضِ، فالسجودُ يَكُونُ شِرْكًا ويَكُونُ طاعةً، إن سَجَدْتَ لِصَنَمٍ كَانَ شِرْكًا، وإن سَجَدْتَ للَّهِ كَانَ طاعةً، وهكذا جميعِ الأعمالِ، فالنيَّةُ فِي الحقيقةِ لها تأثيرٌ كبيرٌ فِي إصلاحِها أوَ في إِفْسَادِها.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: أنا أريدُ أنْ أُسافرَ معَ شبابٍ فِي بعضِ النوادي، وهَؤُلَاءِ الشبابُ لا يُريدونَ إِلَّا اللَّهْوَ، وأريدُ أنْ أَذهبَ معَهم إِلَى الأماكنِ الَّتِي يَذهَبون إليها، هم عَلَى قصدٍ وأنا عَلَى قصدٍ، وأنا لي هدفٌ، أنا قَصدي أريدُ إصلاحَهم، وأُحاولُ أنْ أُعالِجَهُم، وهم قَصْدُهم أني داخلٌ معهم؟

<<  <   >  >>