وَفِيه - أَيْضا - الدّلَالَة الْبَيِّنَة على أَن السَّارِق إِذا سرق من جمَاعَة شَتَّى سرقات مفترقة أَو من وَاحِد مَرَّات، فاستهلك بعض ذَلِك، أدْرك بعضه قَائِما فِي يَده ثمَّ قطعت يَده فِي آخر ذَلِك، أَنه لَا يتبع بغرم شَيْء كَانَ اسْتهْلك قبل؛ ذَلِك لإِجْمَاع الْجَمِيع على أَنه إِذا أَخذ وَقد سرق مَرَّات كَثِيرَة فِي كل مرّة من ذَلِك مَا يجب فِي مثله الْقطع، ثمَّ أَخذ بعد ذَلِك أَنه لَا يجب إِلَّا قطع يَده الْيُمْنَى إِن كَانَت مَوْجُودَة، فمعلوم بذلك أَن ذَلِك الْقطع قطع للمرات الْكَثِيرَة الَّتِي سلفت مِنْهُ قبل ذَلِك الَّتِي سرق فِي كل مرّة مِنْهَا مَا يجب فِي مثله الْقطع، فَسقط عَنهُ بذلك غرم كل مَا اسْتَهْلكهُ من السرق قبل الْقطع.
وَلَو كَانَ ذَلِك قطعا لسرقته مَا سرق مَا يجب فِي مثله الْقطع لمرة وَاحِدَة، لوَجَبَ عَلَيْهِ الْقطع لسَائِر المر الَّتِي سرق فِيهَا مثل ذَلِك، لقطع حَتَّى يُؤْتى على الْأَعْضَاء الَّتِي يجب قطعهَا فِي السرق يعودهُ فِيهَا مرّة بعد مرّة، وظفر الإِمَام بِهِ فِي كل مرّة من ذَلِك. وَفِي إِجْمَاع الْجَمِيع على أَنه غير وَاجِب ذَلِك عَلَيْهِ، وَأَن الَّذِي يقطع مِنْهُ إِذا ظفر بِهِ، وَقد سرق مائَة مرّة أَو أقل أَو أَكثر فِي كل ذَلِك مَا يجب فِي مثله الْقطع عُضْو وَاحِد من الْأَعْضَاء الَّتِي أَمر الله - جلّ ثَنَاؤُهُ - بقطعها من السَّارِق الدَّلِيل الْوَاضِح على أَن ذَلِك قطع لجَمِيع المر الَّتِي سرق فِيهَا قبل ذَلِك.
فَكَانَ بِكَوْنِهِ كَذَلِك زائلا عَنهُ غرم كل مَا اسْتهْلك مِمَّا كَانَ سرق قبل ذَلِك الْقطع، بِالْقطعِ الَّذِي قطعه؛ إِذْ كَانَ ذَلِك قطعا لجَمِيع المر الَّتِي تقدّمت قبل ذَلِك وَيُقَال لمن أنكر مَا قُلْنَا فِي ذَلِك فَزعم أَن السَّارِق إِذا قطعت يَده بعد سرق مَرَّات كَثِيرَة تقدّمت، فَإِنَّمَا هُوَ قطع للسرق رفع فِيهِ.
فَإِن كَانَ مَا سرق فِي تِلْكَ الْمرة قَائِما فِي يَده مَوْجُودا، فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ وتقطع يَده، وَيغرم كل مَا كَانَ اسْتهْلك من سَرقَة سَرَقهَا قبل ذَلِك مِمَّا لم يكن قطع فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute