قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص ٢٢٢ - ٢٢٣): "فإن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل، فإنه مركوز في الفطر، وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لما كان نطفة، وقد خرج من بين الصلب والترائب، والترائب: عظام الصدر، ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين، في ظلمات ثلاث، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق، ولو كانت موضوعة على لوح أو طبق، واجتمع حكماء العالم على أن يصوروا منها شيئا لم يقدروا. ومحال توهم عمل الطبائع فيها، لأنها موات عاجزة، ولا توصف بحياة، ولن يتأتى من الموات فعل وتدبير، فإذا تفكر في ذلك وانتقال هذه النطفة من حال إلى حال، علم بذلك توحيد الربوبية، فانتقل منه إلى توحيد الإلهية. فإنه إذا علم بالعقل أن له ربا أوجده، كيف يليق به أن يعبد غيره؟ وكلما تفكر وتدبر ازداد يقينا وتوحيدا". وقال ابن القيم: "فتأمَّلْ آيات اللّه التي دعا عباده إلى التفكر فيها، وجعلها آياتٍ دالةً على كمال قدرته، وعِلةً في مشيئته وحكمته وملكه، وعلى توحُّده بالربوبية والإلهية، ثم وازن بينهما وبين ما أخبر به من أمر الآخرة والجنة والنار، تجد هذه أدلَّ شيء على تلك، شاهدة لها، وتجدهما من مشكاة واحدة، وربٍّ واحد، وخالق واحد، وملكٍ واحد، فبُعدا لقوم لا يؤمنون". حادي الأرواح (١/ ٤١٠). وانظر: مفتاح دار السعادة (٢/ ٥)، ودرء تعارض العقل والنقل (٣/ ٣٩٣).