وكذا جاء النهي عن مخالطة أهل الأهواء في السنة المطهرة، ومن ذلك ما جاء في قصة هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم، لما تخلفوا عن غزوة تبوك، فقد روى البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩) القصة كاملة، وكان مما جاء فيها قول كعب: " ... ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، قال: فاجتنبنا الناسُ، وتغيروا لنا حتى تنكرَت في نفسي الأرضُ فما هي بالأرض التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشبَّ القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة الناس مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحبُّ الناس إليّ، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام. فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك بالله هل تعلمن أني أحب الله رسوله؟ قال: فسكت. فعدت له فنشدته فسكت. فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي ... ". الحديث. قال الإمام البغوي في شرح السنة (١/ ٢٢٦ - ٢٢٧) معلقا على قصة كعب: "وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاف على =