إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يبدي ضَجَرًا، ولا يُظهِر تأفُّفًا؛ فضلًا عن أن يعاتب أو يلوم، بل في تواضعٍ ولينٍ «يدعو بماء، فينضح مكان بول الصبي، ولا يغسله»(١)!
وفي مجلس آخر من مجالسه - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه، يُؤتَى بثيابٍ فيها خميصة سوداء صغيرة، فيقول:«من ترون أن نكسو هذه؟» فسكت القوم، وترقبوا من سيدعو؟ هل سيدعو أحد أقاربه، وينحله هذه الخميصة لابنته؟ أو يلبسها هو لإحدى بناته؟
لا، لم يفعل، وإنما فاجأهم بقوله:
«ائتوني بأمِّ خالد».
وقد كان بإمكانه - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيها والدَها خالد بن سعيد - رضي الله عنه - ليكسوَها إيَّاها، لكنه طلب إحضارها في مجلسه، فأُتي بها تُحمَل، وانتظر الجميع أن تنال الصغيرة شرف تسليم النبي - صلى الله عليه وسلم - لها الخميصة بيده، وأن تنال ابتسامة ونظرة ودعوة منه، لكنَّ كرمَه النبوي كان فوق ما ينتظرون، وعطاءَه فوق ما يطمحون!
لقد فاجأهم أخرى فأخذ الخميصة بيده، فألبسها لأم خالد، وقال:«أَبْلِي وأَخْلِقِي، ثم أَبْلِي وأَخْلِقِي، ثم أَبْلِي وأَخْلِقِي»، وكان فيها علم أخضر أو أصفر، فقال:«يا أمَّ خالد، هذا سناه، هذا سناه» -وسناه