تُشكِّلُ العاطفة مساحة واسعة في نفس الصغير الناشئ، فهي تكوِّن نفسه، وتبني شخصيته، ولذا إن أخذها بشكل متوازنٍ؛ خرج إنسانًا سويًّا في مستقبله، بل في حياته كلها، وإن أخذها بغير ذلك -زيادةً أو نقصانًا- تشكَّلت لديه عُقَدٌ لا تُحمد عقباها، فكلا طرفي الأمور ذميم. فالزيادة تجعله مدلَّلًا، لا يقوم بتكاليف الحياة بجد ونشاط، ونقصانها يجعله قاسيًا عنيفًا على كل من حوله، ومن هنا: فالبناء العاطفي له أهمية خاصة في بناء نفس الصغير وتكوينه، وهذا البناء يلعب فيه الدور الأكبر: الوالدان، إذ هما المصدر الأساسي لأشعة العاطفة التي تبني نفسه، وهما الركن الشديد الذي يأوي إليه، لينعم بحرارة العاطفة، ونعمة الأبوة والأمومة (١).
وقد لاحظ الشيخ محمد الخضر حسين الميل الذي يقع لبعض الآباء في هذا النوع من التربية في أحد طرفيه، وحذَّر من الركون إليه، وبيَّن مغبَّته وعاقبته؛ فقال:
"ومن الناس من يدرك أن التقام الأطفال لثدي التربية، مما يؤثر في نفوسهم إصلاحًا عظيمًا، ولكن فرط الرأفة الذي ينشأ من التغالي في حبهم، يكسر من صلابة الآباء شيئًا كثيرًا، فيدفعهم عن مكافحة
(١) محمد نور بن عبدالحفيظ سويد، «منهج التربية النبوية للطفل» (ص/ ٣١٠).