بين زمانٍ يتقاتل فيه الكبار -بغير حقٍّ أحيانًا- على موضع الإمامة، وآخر يتراجع فيه الكبار ليقدموا صغارهم الحفَّاظ للإمامة؛ بونٌ كبير، تظهر آثاره فيما يأتي من جيل.
لك أن تتخيل أن صبيًّا فقيرًا لم يبلغ من العمر إلا ست أو سبع سنين، يقدِّمه قومه، وفيهم الوالد، والجد، وصاحب المكانة، وصاحب المال؛ لكنه أحفظ القوم وأقرؤهم؛ فقدَّموه عن طيب نفسٍ منهم. كيف سيكون أثر ذلك في نفس الصبي؟ وكيف ستكون علاقته بالصلاة بعد ذلك، هو وسائر أبناء جيله وعمره؟
إنه عمرو بن سلِمة الجرمي، يحكي للتابعين واقعته الشهيرة، وقصته المثيرة؛ فيقول لهم: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أو: أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما