وضمنته من المعانى الأنيقة، والحكم الرشيقة، ما بهر القلوب عجبا ليكون مفتاحا لأبوابه، عنوانا على كتابه، معينا للمفسر على حقائقه، مطلعا على بعض أسراره ودقائقه، وسميته «البرهان فى علوم القرآن».
ومنهم الحافظ السيوطى صاحب كتاب الإتقان فى علوم القرآن، الذى قال فى خطبته:
«لما وقفت على هذا الكتاب-أى كتاب البرهان-ازدت به سرورا، وحمدت الله كثيرا وقوى العزم على إبراز ما أضمرته وشددت الحزم فى إنشاء التصنيف الذى قصدته فوضعت هذا الكتاب العلى الشأن، الجلى البرهان، الكثير الفوائد والإتقان، ورتبت أنواعه ترتيبا أنسب من ترتيب البرهان، وأدمجت بعض الأنواع فى بعض وفصلت ما حقه أن يبان، وزدته على ما فيه من الفوائد والقواعد والشوارد ما يشنف الآذان، وسميته ب «الإتقان فى علوم القرآن».
الإتقان ٥/ ١،٧.
واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره ثم لم يحكم أمره.
وفى هذا الكتاب الذى نقدمه اليوم للقارئ المسلم سنقف عند أحد فروع علوم القرآن، ألا وهو علم القراءات القرآنية وعلى وجه الخصوص توجيه القراءات الشاذة، هذا العلم العظيم الشأن الذى أفردت له المؤلفات العظام منذ بدلاية زمن التأليف حتى زمننا هذا، ولأهمية هذا الكتاب أردنا إلا يخلو من تقديمه بمقدمة تليق بهذا الكتاب الذى قام بتأليفه ابن جنى جامعا مادته من عدة مؤلفات سابقة لإئمة هذا الشأن، وستدور المقدمة حول عدة محاور:
أولها: يدور حول القرآن وقراءاته.
وثانيهما: حول ابن جنى ومؤلفاته.
وآخرها: حول كتاب المحتسب.
***
[القرآن وقراءاته]
[القرآن فى جمعه وترتيبه]
قال الدير عاقولى فى فوائده: حدثنا إبراهيم بن بشار، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهرى عن عبيد، عن زيد بن ثابت، قال: قبض النبى صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع فى شئ.
قال الخطابى: إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن فى المصحف، لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته، ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر.