وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فأتيت به النبى صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال له: اقرأ، فقرأ تلك القراءة، فقال: هكذا أنزلت. ثم قال لى: أقرأ، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت. ثم قال: «إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فاقرأوا منه ما تيسر».
فمن قرأه قراءة «عبد الله» فقد قرأ بحرفه، ومن قرأ قراءة «أبىّ» فقد قرأ بحرفه، ومن قرأ قراءة «زيد» فقد قرأ بحرفه.
و «الحرف» يقع على المثال المقطوع من حروف المعجم، وعلى الكلمة الواحدة، ويقع الحرف على الكلمة بأسرها، والخطبة كلها، والقصيدة بكمالها.
ألا ترى أنهم يقولون: قال الشاعر كذا فى كلمته، يعنون فى قصيدته.
والله جل وعز يقول: {وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ}، وقال: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى}، وقال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ}.
وقال: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اِطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ اِنْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ}، أراد سبحانه وتعالى: من الناس من يعبد الله على الخير يصيبه من تثمير المال، وعافية البدن، وإعطاء السؤل، فهو مطمئن ما دام ذلك له. وإن امتحنه الله تعالى باللأواء فى عيشه، والضراء فى بدنه وماله، كفر به.
فهذا عبد الله على وجه واحد، ومعنى متحد، ومذهب واحد، وهو معنى الحرف. ولو عبد الله على الشكر للنعمة، والصبر للمصيبة، والرضا بالقضاء-لم يكن عبده على حرف.
[وقد تدبرت وجوه الخلاف فى القراءات فوجدتها سبعة أوجه]
أولها: الاختلاف فى إعراب الكلمة، أو فى حركة بنائها بما لا يزيلها عن صورتها فى الكتاب ولا يغير معناها نحو قوله تعالى: {هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} وأطهر لكم. {وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ} وهل يجازى إلاّ الكفور. {وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ} وبالبخل.
{فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ} وميسرة.
والوجه الثانى: أن يكون الاختلاف فى إعراب الكلمة، وحركات بنائها بما يغير معناها، ولا يزيلها عن صورتها فى الكتاب، نحو قوله تعالى: {رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا} و «ربّنا باعد بين أسفارنا»، و {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} و «تلقونه»، {وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} وبعد أمه.
الوجه الثالث: أن يكون الاختلاف فى حروف الكلمة دون إعرابها، بما يغير معناها ولا يزيل صورتها، نحو قوله: {وَاُنْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها} و «ننشرها»، ونحو قوله: {حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} وفرّغ.
الوجه الرابع: أن يكون الاختلاف فى الكلمة بما يغير صورتها فى الكتاب، ولا يغير معناها، نحو قوله: «إن كانت إلا زقية» و «صيحة» و «كالصّوف المنفوش» و {كَالْعِهْنِ}.