[الصراع حول قضية القراءات قديما وحديثا]
وقد تكلم ابن قتيبة فى كتابه «تأويل مشكل القرآن» عن قضية القراءات والصراع الذى يدور حولها تحت باب «الحكاية عن الطاعنين»، فقال: وكان مما بلغنا عنهم: أنهم يحتجون بقوله عز وجل: {وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلافاً كَثِيراً} وبقوله: {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ}.
وقالوا: وجدنا الصحابة، رضى الله عنهم، ومن بعدهم، يختلفون فى الحرف: فابن عباس يقرأ: «وادّكر بعد أمه» وغيره يقرأ: «بعد أمّة». و «عائشة» تقرأ: «إذ تلقونه». و «أبو بكر الصديق» يقرأ: «وجاءت سكرة الحقّ بالموت» والناس يقرأون: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ}.
وقرأ بعض القراء: «وأعتدت لهنّ متكا» وقرأ الناس: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً}. وكان «ابن مسعود» يقرأ: «إن كانت إلاّ زقية واحدة» ويقرأ: «كالصوف المنفوش».
مع أشباه لهذا كثيرة، يخالف فيها مصحفه المصاحف القديمة والحديثة. وكان يحذف من مصحفه «أم الكتاب» ويمحو «المعوذتين».
و «أبى» يقرأ: «إنّ السّاعة آتية أكاد أخفيها من نفسى فكيف أظهركم عليها».
ويزيد فى مصحفه افتتاح «دعاء القنوت» إلى قول الداعى: «إن عذابك بالكافرين ملحق» ويعده سورتين من القرآن.
و «القراء» يختلفون: فهذا يرفع ما ينصبه ذاك، وذاك يخفض ما يرفعه هذا.
***
[باب الرد عليهم فى وجوه القراءات]
أما ما اعتلوا به فى وجوه القراءات من الاختلاف، فإنا نحتج عليهم فيه بقول النبى صلى الله عليه وسلم:
«نزل القرآن على سبعة أحرف، شاف كاف، فاقرءوا كيف شئتم».
وقد غلط فى تأويل هذا الحديث قوم فقالوا: السبعة الأحرف: وعد، ووعيد، وحلال، وحرام، وأمر، ونهى، وخبر ما كان قبل، وخبر ما هو كائن بعد، وأمثال. وليس شئ من هذه المذاهب لهذا الحديث بتأويل.
ومن قال: فلان يقرأ بحرف «أبى عمرو» أو بحرف «عاصم»، فإنه لا يريد شيئا مما ذكروا.
وليس يوجد فى كتاب الله حرف قرئ على سبعة أوجه-يصح، فيما أعلم.
وإنما تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: «نزل القرآن على سبعة أحرف»: على سبعة أوجه من اللغات متفرقة فى القرآن يدلك على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاقرأوا كيف شئتم».
وقال عمر: سمعت «هشام بن حكيم بن حزام» يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها،