قرأ ابن عباس:«فمهّل الكافرين مهّلهم رويدا»، بغير ألف (١).
قال أبو الفتح: أما هذه القراءة ففيها ما أذكره لتفرّق بينها وبين القراءة العامة، وذلك أن قولهم:{فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} فيه أنه آثر التوكيد، وكره التكرير، فلما تجشّم إعادة اللفظ مع تكارهه إياه انحرف عن الأول بعض الانحراف بتغييره المثال، فانتقل عن فعّل إلى أفعل، فقال:«أمهلهم»، فلما تجشّم التثليث جاء بالمعنى وترك اللفظ ألبتة، فقال:{رُوَيْداً}.
وأما فى هذه القراءة فإنه كرر اللفظ والمثال جميعا، فقال:«مهّل الكافرين مهّلهم»، فجعل ما تكلفه من تكرير اللفظ والمثال جميعا عنوانا لقوة معنى توكيده، إذ لو لم يكن كذلك لانحرف فى الحال بعض الانحراف. وهذا كقول الرجل لصاحبه: قد عرفت أننى لم آتك فى هذا الوقت، وإلى هذا المكان، وعلى هذه الحال إلا لداع إليه قوىّ، وأمر عان.
ويدلك على كلفة التكرير عليهم أشياء: منها التضعيف، نحو شدّد، فإذا سكن الأول من المثلين فوقع هناك خلاف ما سهل اللفظ بهما فقيل: شدّ، وكذلك إن سكن الثانى قيل: شددت. ومنها أنهم آثروا التكرير للتوكيد فى نحو جاء القوم أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون خالفوا بين الفاء والعين، ووفقوا بين اللامات، وهى العينات منها؛ لتختلف الحروف، فتقل الكلفة.
فإن قيل: فلم خالفوا بين الفاءات والعينات ووفقوا بين اللامات؟ قيل: لأن اللام مقطع الحروف، وإليها المفضى، وعليها المستقر، فوفقوا بينها لتتلاقى المقاطع على لفظ واحد، فيكون ما شذ من الفاء والعين مجموعا باللام، فاعرف ذلك.
***
&
(١) انظر: (مجمع البيان ٤٧٠/ ١٠، البحر المحيط ٤٥٦/ ٨).