للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة الطارق]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} (١٧)

قرأ ابن عباس: «فمهّل الكافرين مهّلهم رويدا»، بغير ألف (١).

قال أبو الفتح: أما هذه القراءة ففيها ما أذكره لتفرّق بينها وبين القراءة العامة، وذلك أن قولهم: {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} فيه أنه آثر التوكيد، وكره التكرير، فلما تجشّم إعادة اللفظ مع تكارهه إياه انحرف عن الأول بعض الانحراف بتغييره المثال، فانتقل عن فعّل إلى أفعل، فقال: «أمهلهم»، فلما تجشّم التثليث جاء بالمعنى وترك اللفظ ألبتة، فقال: {رُوَيْداً}.

وأما فى هذه القراءة فإنه كرر اللفظ والمثال جميعا، فقال: «مهّل الكافرين مهّلهم»، فجعل ما تكلفه من تكرير اللفظ والمثال جميعا عنوانا لقوة معنى توكيده، إذ لو لم يكن كذلك لانحرف فى الحال بعض الانحراف. وهذا كقول الرجل لصاحبه: قد عرفت أننى لم آتك فى هذا الوقت، وإلى هذا المكان، وعلى هذه الحال إلا لداع إليه قوىّ، وأمر عان.

ويدلك على كلفة التكرير عليهم أشياء: منها التضعيف، نحو شدّد، فإذا سكن الأول من المثلين فوقع هناك خلاف ما سهل اللفظ بهما فقيل: شدّ، وكذلك إن سكن الثانى قيل: شددت. ومنها أنهم آثروا التكرير للتوكيد فى نحو جاء القوم أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون خالفوا بين الفاء والعين، ووفقوا بين اللامات، وهى العينات منها؛ لتختلف الحروف، فتقل الكلفة.

فإن قيل: فلم خالفوا بين الفاءات والعينات ووفقوا بين اللامات؟ قيل: لأن اللام مقطع الحروف، وإليها المفضى، وعليها المستقر، فوفقوا بينها لتتلاقى المقاطع على لفظ واحد، فيكون ما شذ من الفاء والعين مجموعا باللام، فاعرف ذلك.

***

&


(١) انظر: (مجمع البيان ٤٧٠/ ١٠، البحر المحيط ٤٥٦/ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>