قال: والبغوى أولى من يعتمد عليه فى ذلك فإنه مقرئ فقيه جامع للعلوم، قال: وهكذا التفصيل فى شواذ السبعة، فإن عنهم شيئا كثيرا شاذا، انتهى.
وقال ولده فى منع الموانع: إنما قلنا فى الجوامع والسبع متواترة، ثم قلنا فى الشاذ والصحيح إنه ما وراء العشرة ولم نقل: والعشر متواترة؛ لأن السبع لم يختلف فى تواترها فذكرنا أولا موضع الإجماع ثم عطفنا عليه موضع الخلاف، قال: على أن القول بأن القراءات الثلاث غير متواترة فى غاية السقوط ولا يصح القول به عمن يعتبر قوله فى الدين، وهى لا تخالف رسم المصحف، قال: وقد سمعت أبى يشدد النكير على بعض القضاة وقد بلغه أنه منع من القراءة بها واستأذنه بعض أصحابنا مرة فى إقراء السبع، فقال: أذنت لك أن تقرأ العشر، انتهى.
وقال: فى جواب سؤال سأله ابن الجزرى عن القراءات السبع التى اقتصر عليها الشاطبى والثلاث التى هى قراءة أبى جعفر ويعقوب وخلف متواترة معلومة من الدين بالضرورة وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكابر فى شئ من ذلك إلا جاهل.
التنبيه الرابع: باختلاف القراءات يظهر الاختلاف فى الأحكام، ولهذا بنى الفقهاء وضوء الملموس وعدمه على اختلاف القراءة فى «لمستم» و «لامستم»، وجواز وطء الحائض عند الانقطاع قبل الغسل وعدمه على الاختلاف فى «يطهرن» وقد حكوا خلافا غريبا فى الآية إذا قرئت بقراءتين، فحكى أبو الليث السمرقندى فى كتاب البستان قولين أحدهما: أن الله قال بهما جميعا. والثانى: أن الله قال بقراءة واحدة إلا أنه أذن أن تقرأ بقراءتين، ثم اختار توسطا، وهو أنه إن كان لكل قراءة تفسير يغاير الآخر، فقد قال بهما جميعا وتصير القراءتان بمنزله آيتين مثل «حتى يطهرن»، وإن كان تفسيرهما واحدا، فإن قيل إذا قلتم أنه قال بإحداهما، فأى القراءتين هى؟ قلنا: التى بلغة قريش انتهى.
وقال بعض المتأخرين: لاختلاف القراءات وتنوعها فوائد منها التهوين والتسهيل والتخفيف على الأمة، ومنها إظهار فضلها وشرفها على سائر الأمم، إذ لم ينزل كتاب غيرهم إلا على وجه واحد، ومنها إعظام أجرها من حيث إنهم يفرغون جهدهم فى تحقيق ذلك وضبطه حتى مقادير المدات وتفاوت الإمالات ثم فى تتبع معانى ذلك واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ وإمعانهم الكشف عن التوجيه والتعليل والترجيح، ومنها إظهار سر الله فى كتابه وصيانته عن التبديل والاختلاف مع كونه على هذه الأوجه الكثيرة، ومنها المبالغة فى إعجازه بإيجازه، إذ تنوع القراءات بمنزلة الآيات، ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدة لم يخف ما كان فيه من التطويل ولهذا كان قوله:«وأرجلكم» منزلا لغسل الرجل والمسح على الخف واللفظ واحد لكن باختلاف إعرابه، ومنها أن بعض القراءات يبين ما