للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو الفتح: تحتمل هذه القراءة وجهين:

أحدهما: أن يكون أراد ما هذا بمشرىّ، من قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} (١)، أى: باعوه، أى ما ينبغى لمثل هذا أن يباع، فوضع المصدر موضع اسم المفعول، كقول الله سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} (٢)، أى مصيده، وكقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} (٣)، أى المخلوق، وكقول النبى صلّى الله عليه وسلّم: الراجع فى هبته (٤)، أى: فى موهوبه. وهذا الثوب نسج اليمن، أى: منسوجه؛ وذلك أن الأفعال لا يمكننا إعادتها. ومنه قولهم: غفر الله لك علمه فيك، أى: معلومه. ومنه قولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير، أى: مضروبه.

والآخر: أن تكون الباء غير زائدة للتوكيد كالوجه الأول، لكنها كالتى فى قولك: هذا الثوب بمائة درهم، وهذا العبد بألف درهم، أى هذا بهذا، فيكون معناه: ما هذا بثمن، أى: مثله لا يقوّم ولا يثمّن، فيكون «الشّرى» هنا يراد به المفعول به، أى الثمن المشترى به، كقولك: ما هذا بألف، وهو نفى قولك: هذا بألف، فالباء إذا متعلقة بمحذوف هو الخبر، مثلها كقولك: كرّ البرّ بستين، ومنوا السّمن بدرهم.

***

{حَتّى حِينٍ} (٣٥)

ومن ذلك ما روى عن عمر أنه سمع رجلا يقرأ: «عتّى حين» (٥)، فقال: من أقرأك؟ قال: ابن مسعود، فكتب إليه: إن الله عز وجل أنزل هذا القرآن فجعله عربيا، وأنزله بلغة قريش، فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل، والسلام.

قال أبو الفتح: العرب تبدل أحد هذين الحرفين من صاحبه لتقاربهما فى المخرج،


(١) سورة يوسف الآية (٣١).
(٢) سورة المائدة الآية (٩٦).
(٣) سورة الروم الآية (٢٧).
(٤) أخرجه البخارى فى صحيحه حديث (٢٥٢٩) النسائى كتاب الهبة برقم (٣٧٠٠) عن ابن عباس، ولفظه: «ليس لنا مثل السوء العائد فى هبته كالكلب يعود فى قيئه». وأخرجه أحمد فى مسنده رقم (٦٩٠٤) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: «الراجع فى هبته كالكلب يرجع فى قيئه».
(٥) انظر: (الكشاف ٣١٩/ ٢، البحر المحيط ٣٠٧/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>