مذاهبه، فقد يقع له فى الكلام من المعانى ما لم يقع لقائله.
وابن جنى أول من شرح ديوان المتنبى، وقد شرحه شرحين، الشرح الكبير والشرح الصغير، والأخير هو الباقى لنا.
وقد تعقب معاصروه ومن بعدهم شرحه، ومن هؤلاء الربعى على بن عيسى المتوفى سنة ٤٢٠، له كتاب «التنبيه على خطا ابن جنى فى تفسير شعر المتنبى»، وهو ممن شارك ابن جنى فى الأخذ عن أبى علىّ وملازمته.
ومنهم محمد بن أحمد، المعروف بابن فورجه، له «كتابا» الفتح على أبى الفتح، والتجنى على ابن جنى، يرد فيهما على ابن جنى فى شعر المتنبى، وللشريف المرتضى على بن الحسين كتاب فى تتبع أبيات المعانى للمتنبى التى تكلم عليها ابن جنى.
وللشيخ العميد أبى سهل محمد بن الحسن الزوزنى استدراك على ابن جنى باسم «قشر الفسر» منه نسخة بمكتبة طلعت بدار الكتب مخطوطة سنة ٤٧٥ هـ.
وكان ابن جنى يحسن الثناء على المتنبى فى كتبه، ويستشهد بشعره فى المعانى والأغراض، ويعبر عنه بشاعرنا. ويقول فى الخصائص ٢٣٩/ ١: «وحدثنى المتنبى شاعرنا، وما عرفته إلا صادقا»، وفى ص ٢٤: «وأمتثله شاعرنا آخرا فقال:
فلو قدر السنان على لسان … لقال لك السنان كما أقول
ويسوق البديعى فى «الصبح المنبى» قصة تنبئ عن إعجاب ابن جنى بالمتنبى، وعن وجوده بشيراز، حين كان المتنبى هناك، وذلك فى آخر حياة الشاعر؛ فقد قتل بدير العاقول عند منصرفه عن شيراز. ذاك أن أبا على كان إذ ذاك بشيراز «وكان إذ مر به أبو الطيب يستثقله على قبح زيه، وما يأخذ به نفسه من الكبرياء.
وكان لابن جنى هوى فى أبى الطيب، كثير الإعجاب بشعره، لا يبالى بأحد يذمه أو يحط منه. وكان يسوءه إطناب أبى على فى ذمه. واتفق أن قال أبو على يوما: اذكروا لنا بيتا من الشعر نبحث فيه. فبدأ ابن جنى وأنشد:
حلت دون المزار فاليوم لوزر … ت لحال النحول دون العناق
فاستحسنه أبو على واستعاده. وقال: لمن هذا البيت فإنه غريب المعنى؟ فقال ابن جنى للذى يقول:
أزورهم وسواد الليل يشفع لى … وانثنى وبياض الصبح يغرى بى
فقال: والله هذا أحسن! بديع جدا! فلمن هما؟ قال: للذى يقول:
أمضى إرادته فسوف له قد … واستقرب الأقصى فثم له هنا
فكثر إعجاب أبى علىّ، واستغرب معناه، وقال: لمن هذا؟ فقال ابن جنى: للذى يقول: