ثابت أصلها فقد أجريت ثابتا صفة على شجرة، وليس الثبات لها، إنما هو للأصل. ولعمرى إن الصفة إذا كانت فى المعنى لما هو من سبب الموصوف جرت عليه، إلا أنها إذا كانت له كانت أخص لفظا به.
وإذا كان الثبات فى الحقيقة إنما هو للأصل فالمعتمد بالثبات هو الأصل، فبقدر ذلك ما حسن تقديمه عناية به ومسارعة إلى ذكره، ولأجل ذلك قالوا: زيد ضربته فقدموا المفعول لأن الغرض هنا ليس بذكر الفاعل وإنما هو ذكر المفعول، فقدموه عناية بذكره، ثم لم يقنع ذلك حتى أزالوه عن لفظ الفضلة وجعلوه فى اللفظ ربّ الجملة، فرفعوه بالابتداء، وصارت الجملة التى إنما كان ذيلا لها وفضلة ملحقة بها فى قولهم: ضربت زيدا-ثانية له، وواردة فى اللفظ بعده، ومسندة إليه، ومخبرا بها عنه. وقد تقدم فى هذا الكتاب نحو هذا مستقصى.
فكذلك قولك: مررت برجل أبوه قائم أقوى معنى من قولك: قائم أبوه؛ لأن المخبر عنه بالقيام إنما هو الأب لا رجل، ومن هنا ذهب أبو الحسن فى نحو قولنا: قام زيد إلى أن قام فى موضع رفع؛ لأنه وقع موقع الاسم؛ لأن تقدير المحدّث عنه أن يكون أسبق رتبة من الحديث، إلا أن لقراءة أنس هذه وجها من القياس حسنا؛ وذلك أن قوله:«ثابت أصلها» صفة لشجرة، وأصل الصفة أن تكون اسما مفردا لا جملة، يدل على ذلك أن الجملة إذا جرت صفة للنكرة حكم على موضعها بإعراب المفرد الذى هى واقعة موقعه.
فإذا قال:«ثابت أصلها» فقد جرى لفظ المفرد صفة على النكرة، وإذا قال:«أصلها ثابت» فقد وضع الجملة موضع المفرد، فالموضع إذا له لا لها.
فإن قلت: فليس اللفظ مفردا، ألا ترى أنه ثابت أصلها؟ قيل: هذا لا يبلغ به صورة الجملة، لأن ثابتا جار فى اللفظ على ما قبله، وإنما فيه أنه وضع أصلها لتضمنه لفظ الضمير موضع الضمير الخاص بالأول، وليس كذلك أصلها ثابت؛ لأن معك صورة الجملة البتة، فهذا تقوية لقول أنس.
وكان أبو على يعتذر من إجازتهم مررت برجل قائم أبوه، ويقول: إنما ذلك لأن الجملة نكرة، كما أن المفرد هنا لو وقع لم يكن إلا نكرة؛ لأن موصوفه نكرة.