للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السلام ومجاهد: «تهوى»، بفتح الواو (١). وقرأ مسلمة بن عبد الله: «تهوى إليهم» (٢).

قال أبو الفتح: أما قراءة الجماعة: {تَهْوِي إِلَيْهِمْ،} بكسر الواو فتميل إليهم: أى تحبهم، فهذا فى المعنى كقولهم: فلان ينحط فى هواك، أى يخلد إليه ويقيم عليه؛ وذلك أن الإنسان إذا أحب شيئا أكثر من ذكره وأقام عليه، فإذا كرهه أسرع عنه وخف إلى سواه، وعلى ذلك قالوا: أحبّ البعير: إذا برك فى موضعه، قال:

حلت عليه بالقطيع ضربا … ضرب بعير السوء إذا أحبّا

أى برك.

ومنه قولهم: هويت فلانا، فهذا من لفظ هوى الشئ يهوى، إلا أنهم خالفوا بين المثالين لاختلاف ظاهر الأمرين وإن كانا على معنى واحد متلاقيين، فقراءة على عليه السلام: «تهوى إليهم» بفتح الواو هو من هويت الشئ إذا أحببته، إلا أنه قال: «إليهم»، وأنت لا تقول: هويت إلى فلان، لكنك تقول: هويت فلانا؛ لأنه عليه السلام حمله على المعنى، ألا ترى أن معنى هويت الشئ: ملت إليه؟ فقال: تهوى إليهم لأنه لاحظ معنى تميل إليهم. وهذا باب من العربية ذو غور، وقد ذكرناه فى هذا الكتاب.

ومنه قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ} (٣)، عداه بإلى وأنت لا تقول: رفثت إلى المرأة، إنما تقول: رفثت بها أو معها، لكنه لما كان معنى الرفث معنى الإفضاء عداه بإلى ملاحظة لمعنى ما هو مثله، فكأنه قال: الإفضاء إلى نسائكم، ومنه قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ} (٤). لما كانت التوبة سببا للعفو لاحظ معناه فقال: عن عباده، حتى كأنه قال: وهو الذى يقبل سبب العفو عن عباده. وقد أفردنا لهذا ونحوه فى الخصائص بابا (٥).

وأما «تهوى إليهم» فمنقول من تهوى إليهم، وإن شئت كان منقولا من قراءة على عليه السلام «تهوى»، كلاهما جائز على ما مضى.

***


(١) انظر: (القرطبى ٣٧٣/ ٩، الكشاف ٣٨٠/ ٢، الفراء ٧٨/ ٢، مجمع البيان ٣١٧/ ٦، مغنى اللبيب ٧١/ ١، البحر المحيط ٤٣٣/ ٥، العكبرى ٣٨/ ٢، تهذيب اللغة، لسان العرب «هوى»).
(٢) انظر: (الكشاف ٣٨٠/ ٢، البحر المحيط ٤٣٣/ ٥).
(٣) سورة البقرة الآية (١٨٧).
(٤) سورة الشورى الآية (٢٥).
(٥) انظر: (الخصائص ٣٠٨/ ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>