للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأما «أخفيها» بفتح الألف فإنه أظهرها. قال امرؤ القيس (١):

خفاهنّ من أنفاقهنّ كأنّما … خفاهنّ ودق من عشىّ مجلّب (٢)

فهذا إذا أكاد أظهرها. وقيل: أكاد أخفيها من نفسى. وفى هذا ضرب من التصوف وقيل. أكاد أخفيها: أريد أخفيها. وأنشد أبو الحسن شاهدا له:

كادت وكدت وتلك خير إرادة … لو عاد من لهو الصّبابة ما مضى (٣)

فكأنه قال: أرادت وأردت: لقوله: وتلك خير إرادة. وقيل: أكاد هنا زائدة، أى: أخفيها وأنشدوا فيه لحسّان (٤):

وتكاد تكسل أن تجئ فراشها … فى جسم خرعبة وحسن قوام (٥)

فإذا كان «أخفيها» بالفتح أو «أخفيها»» بمعنى أظهرها فاللام فى قوله: «لتجزى» معلّقة بنفس «أخفيها»، ولا يحسن الوقف دونها.

وإذا كان من معنى الإخفاء والستر فاللام متعلقة بنفس «آتية»، أى: إن الساعة آتية لتجزى كل نفس بما تسعى، أكاد أخفيها. فالوجه أن تقف بعد «أخفيها» وقفة قصيرة، أما الوقفة فلئلا يظن أن اللام معلقة بنفس «أخفيها»، وهذا ضد المعنى؛ لأنها إذا لم تظهر لم يكن هناك جزاء، إنما الجزاء مع ظهورها. فأما قصر الوقفة فلأن اللام متعلقة بنفس «آتية»، فلا يحسن إتمام الوقف دونها؛ لاتصال العامل بالمعمول فيه. وهذه الوقفة القصيرة ذكرها أبو الحسن، وما أحسنها وألطف الصنعة فيها!.

***


(١) من قصيدته التى مطلعها: خليلى مرّ بى على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب انظر: (ديوانه ٦٤).
(٢) ديوانه ٦٩، خفاهن: أخرجهن. أنفاقهن، الواحد نفق: الطريق تحت الأرض، الودق: المطر، المجلب: الذى له جلبة.
(٣) سبق الاستشهاد به فى (٧٦).
(٤) من قوله يفتخر بيوم بدر ويعير الحارث بن هشام بفراره عن أخيه أبى جهل بن هشام، ثم حسن إسلامه بعد واستشهد بأجنادين (رضى الله عنه)، ومطلعها: تبلت فؤادك فى المنام خريدة تسقى الضجيع ببارد بسام انظر: (ديوانه ٣٤٤).
(٥) فى الديوان: «فى لين خرعبة وحسن قوام». انظر: (ديوانه ٣٤٥). والخرعبة: اللينة الحسنة الخلق وأصل الخرعبة: اللين.

<<  <  ج: ص:  >  >>