للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مازه من جملته إكبارا له وتفخيما منه، كما ماز «جِبْرِيلَ» و «مِيكالَ» من جملة الملائكة تشريفا لهما، فكذلك قوله: {وَأَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى} ليس فى جملة ما دل عليه الموعد لما قدمناه، كأنه مميّز من الزينة فى اعتقادك إياه مجرورا؛ لأنه معطوف عليها.

وأما من رفع فقال: {يَوْمُ الزِّينَةِ} فإن الموعد عنده ينبغى أن يكون زمانا، فكأنه قال: وقت وعدى يوم الزينة، كقولنا: مبعث الجيوش شهر كذا؛ أى: وقت بعثها حينئذ، والعطف عليه بقوله: {وَأَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى} يؤكد الرفع؛ لأنّ «أن» لا تكون ظرفا. ألا ترى أن من قال: زيارتك إياى مقدم الحاج، لا يقول: زيارتك إياى أن يقدم الحاج؟ وذلك أن لفظ المصدر الصريح أشبه بالظرف من «أن» وصلتها التى بمعنى المصدر، إذا كان اسما لحدث، والظرف اسم للوقت، والوقت يكاد يكون حدثا. وعلى كل حال فلست تحصل من ظرف الزمان على أكثر من الحدث الذى هو حركات الفلك، فلما تدانيا هذا التدانى ساغ وقوع أحدهما موقع صاحبه.

وأما «أن» فحرف موصول، جعل بدل لفظه على أنه فى معنى المصدر. وما أبعد هذا عن الظرفية! وقد استقصينا القول على ذلك فى كتابنا الخصائص وغيره من مصنفاتنا، وينبغى أيضا أن يكون على حذف المضاف، أى: وقت وعدكم يوم الزينة ووقت حشر الناس؛ لأن الحشر فى الحقيقة ليس وقتا، كما أن قولك: ورودك مقدم الحاج، إنما هو على حذف المضاف، أى: وقت مقدم الحاج، وكذلك خفوق النجم وخلافة فلان، فاعرف ذلك.

***

{وَأَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى} (٥٩)

ومن ذلك قراءة ابن مسعود والجحدرى وأبى عمران الجونى وأبى نهيك وأبى بكرة وعمرو بن فائد: «وأن يحشر النّاس ضحى» (١).

قال أبو الفتح: الفاعل هنا مضمر، أى: وأن يحشر الله الناس، فهذا كقوله سبحانه: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} (٢)، وجميع هذا يراد به العموم، أى: يحشرهم قاطبة وطرا


(١) انظر: (القرطبى ٢١٤/ ١١، البحر المحيط ٢٥٤/ ٦).
(٢) سورة الأنعام الآية (٢٢)، وسورة يونس الآية (٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>