يدل على الإفراد، والإفراد بالهاء كهاء أرطاة وعلقاة، غير أن من رفع فقال:
«هيهاة» فإنه يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون أخلصها اسما معربا فيه معنى البعد، ولم يجعله اسما للفعل فيبنيه كما بنى الناس غيره، وقوله:{لِما تُوعَدُونَ} خبر عنه، كأنه قال: البعد لوعدكم، كما يقول القائل: الخلف لموعدك، والضلال لإرشادك، والخيبة لانتجاعك.
والآخر أن تكون مبنية على الضم، كما بنيت نحن عليه، وكما بنيت حوب عليه فى الزجر، ثم اعتقد فيه التنكير فلحقه التنوين على ما مضى. ونحو من ذلك ما حكى عن بعضهم من ضمة نون التثنية فى الزيدان والعمران.
وأما «هيهات هيهات»، ساكنة بالتاء فينبغى أن يكون جماعة، وتكتب بالتاء؛ وذلك أنها لو كانت هاء كهاء علقاة وسماناة للزم فى الوقف عليها أن يلفظ بالهاء كما يوقف مع الفتح فيقال: هيهاه هيهاه، فبقاء التاء فى الوقف مع السكون دليل على أنها تاء، وإذا كانت تاء فهى للجماعة، وهو أمثل من أن يعتقد فيها أنها أجريت فى الوقف مجراها فى الوصل من كونها تاء كقولنا: عليه السلام والرّحمت، وقوله:
بل جوزتيهاء كظهر الحجفت (١) …
لقلة هذا وكثرة الأول، وكذلك يقف الكسائىّ عليها، وهو عندى حسن لما ذكرته.
وعذر من وقف بالتاء كونها فى أكثر الأمر مصاحبة للأخرى من بعدها؛ ولأنها أيضا تشبه الفعل، والفعل أبدا متطاول إلى الفاعل، وهذا طريق الوصل؛ ولأن الضمير فيها لم يؤكد قط، فأشبهت الفعل الذى لا ضمير فيه، فكان ذلك أدعى فى اللفظ إلى إدراجها بالتوقع له.
والذى حسن الوقوف عليها حتى نطق بالهاء فيها ما أذكره لك، وهو أن هيهاه جارية مجرى الفعل فى اقتضائها الفاعل، فإذا قال: هيهات فكأنه قال: بعد بعثكم، بعد إنشاؤكم، بعد إخراجكم. فإذا وقف عليه أعلم أن فيه فاعلا مضمرا وأن الكلمة قد استقلت بالضمير الذى فيها، وإذا وصلها بالأخرى أوهم حاجة الأولى إلى الآخرة فآذن بالوقوف عليها باستقلالها وغنائها عن الأخرى من بعدها، فافهم ذلك. ولا يجوز أن يكون قوله:{لِما تُوعَدُونَ} هو الفاعل؛ لأن حرف الجر لا يكون فاعلا، ولا يحسن اعتقاد زيادة اللام هنا حتى كأنه قال: بعد ما توعدون؛ لأنه لم تؤلف زيادة اللام فى