دخول الفاء فى هذا الوجه لأنه موضع أمر، ولا يجوز زيدا فضربته؛ لأنه خبر. وساغت الفاء مع الأمر لمضارعته الشرط، ألا تراه دالا على الشرط؟ ولذلك انجزم جوابه فى قولك: زرنى أزرك؛ لأن معناه زرنى؛ فإنك إن تزرنى أزرك. فلما آل معناه إلى الشرط جاز دخول الفاء فى الفعل المفسّر للمضمر، فعليه تقول: بزيد فامرر، وعلى جعفر فانزل.
ولا موضع لقوله تعالى:{فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ؛} لأنه تفسير، ولا يكون وصفا ل «الزانية» و «الزانى» من حيث كانت المعرفة لا توصف بالنكرة، وكل جملة فهى نكرة.
وأيضا فإن الأمر لا يوصف به كما لا يوصف بالنهى ولا بالاستفهام؛ لاستبهام كل واحد من ذلك لعدم الخبر منه. وأيضا فإن الموصوف لا تعرض بينه وبين صفته الفاء، لا تقول: مررت برجل فيضرب زيدا؛ وذلك لأن الصفة تجرى مجرى الجزء من الموصوف، وجزء الشئ لا يعطف على ما مضى منه.
فإن قلت: فقد أقول: مررت برجل قام فضرب زيدا، فكيف جاز العطف هنا؟ قيل: إنما عطفت صفة على صفة، ولم تعطف الصفة على الموصوف من حيث كان الشئ لا يعطف على نفسه لفساده.
***
{بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ}(٤)
ومن ذلك قراءة عبد الله بن مسلم بن يسار وأبى زرعة بن عمرو بن جرير «بأربعة شهداء»، بالتنوين (١).
قال أبو الفتح: هذا حسن فى معناه؛ وذلك أن أسماء العدد من الثلاثة إلى العشرة لا تضاف إلى الأوصاف، لا يقال: عندى ثلاثة ظريفين إلا فى ضرورة إلى إقامة الصفة مقام الموصوف، وليس ذلك فى حسن وضع الاسم هناك، والوجه عندى ثلاثة ظريفون. وكذلك قوله:«بأربعة شهداء» لتجرى «شهداء» على «أربعة» وصفا؛ فهذا هذا.
فأما وجه قراءة الجماعة:{بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ} بالإضافة فإنما ساغ ذلك لأنهم قد استعملوا ال «شهداء» استعمال الأسماء، كقولهم: إذا دفن الشهيد صلت عليه الملائكة، وعدّ الشهداء يومئذ فكانوا كذا وكذا، ومنزلة الشهيد عند الله مكينة. فلما اتسع ذلك عنهم جرى عندهم مجرى الاسم؛ فحسنت إضافة اسم العدد إليه حسنها إذا أضيف إلى الاسم الصريح أو قريبا من ذلك.
(١) انظر: (الكشاف ٥٠/ ٣، البحر المحيط ٤٣١/ ٦، النحاس ٤٣٢/ ٢، مجمع البيان ١٢٥/ ٧).