للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأما قوله تعالى: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} فإنه على حذف المضاف، وتقديره: هل يسمعون دعاءكم؟ ودل عليه قوله: {إِذْ تَدْعُونَ}. ويقول القائل لصاحبه: هل تسمع حديث أحد؟ فيقول مجيبا له: نعم أسمع زيدا، أى: حديث زيد. ودل قوله: حديث أحد عليه، فإن لم تدل عليه دلالة لم يجز الاقتصار على المفعول الواحد. لو قلت: سمعت الطائر لم يجز؛ لأنه لا يعلم أسمعت جرس طيرانه أو سمعت صياحه على اختلاف أنواع الصياح؟ فهذا مثال يقتاس عليه، ويردّ نحوه-إذا أشكل-إليه.

***

{لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} (١٢٩)

ومن ذلك قراءة قتادة: «لعلّكم تخلدون» (١).

قال أبو الفتح: خلد الشئ، أى: بقى، وأخلدته وخلّدته، وأخلدت إلى كذا: أى: أقمت عليه ولزمته، والخلود لا يكون فى الدنيا، وقال قوم: أخلد الرجل: إذا أبطأ عنه الشيب. وقد يقال فى هذا أيضا: أخلد، والخلد: الفأرة العمياء، ويقال: الخلد: السوار، ويقال: القرط. ودار الخلد، أى: دار الخلود، يعنى الجنة، وقال أحمد بن يحيى: الخلد: داخل القلب، وقول امرئ القيس (٢):

وهل يعمن إلاّ سعيد مخلّد؟

يعنى به: من يلبس الخلد: السوار أو القرط، أى: الصبى أو الصبيّة، يدل عليه قوله:

قليل الهموم ما يبيت بأوجال (٣)

وقد مرّ به شاعرنا فقال (٤):

تصفو الحياة لجاهل أو غافل … عمّا مضى منها وما يتوقّع (٥)


(١) انظر: (البحر المحيط ٣٢/ ٧، الرازى ١٥٧/ ٢٤).
(٢) من قصيدته التى مطلعها: ألا عم صباحا أيها الطلل البالى وهل يعمن من كان فى العصر الخالى انظر: (ديوانه ١٣٩).
(٣) انظر: (ديوانه ١٣٩). الأوجال، الواحد وجل: الخوف.
(٤) من قصيدة للمتنبى، يرثى أبا شجاع فاتكا، مطلعها: ألحزن يقلق والتجمل يردع والدمع بينهما غص طبع انظر: (ديوانه ١٢/ ٣).
(٥) قوله عما مضى: متعلق بغافل، ويتوقع: ينتظر، يقول: إنما تصفو الحياة لجاهل لا يدرك أحوالها-

<<  <  ج: ص:  >  >>