للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لك من ضرب زيدا، وكقول الله: {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ} (١).

وأما «مكرّ»، بالنصب فعلى الظرف، كقولك: زرتك خفوق النجم، وصياح الدجاج. وهو معلق بفعل محذوف، أى: صددتمونا فى هذه الأوقات على هذه الأحوال.

فإن قيل: فما معنى دخول «بل» هنا وإنما هى جواب الاستفهام؟ وأنت لا تقول لمن قال لك: أزيد عندك؟: بل هو عندى، إنما تقول: نعم، أو لا. قيل: الكلام محمول على معناه، وذلك أن قولهم: {أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ} معناه الإنكار له، والرد عليهم فى قول المستضعفين لهم: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنّا مُؤْمِنِينَ،} فكأنهم قالوا لهم فى الجواب: ما صددناكم، فردّوه ثانيا عليهم، فقالوا: بل صدّنا عنه تصرّم الزمان علينا وأنتم تأمروننا أن نكفر بالله. وقد كثر عنهم تأول معنى النفى، وإن لم يكن ظاهرا إلى اللفظ، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ} (٢)، أى: ما حرّم إلا الفواحش، وعليه بيت الفرزدق (٣):

أنا الدّافع الحامى الذمار وإنّما … يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى (٤)

أى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا. ولذلك عندنا ما فصل الضمير، فقال: أنا، وأنت لا تقول: يقوم أنا، ولا نقعد نحن. ولولا ما ذكرنا من إرادة النفى لقبح الفصل، وأنشدنا أبو علىّ (٥):

فاذهب فأىّ فتى فى النّاس أحرزه … من يومه ظلم دعج ولا جبل (٦)

أى: ما أحد أحرزه هذا من الموت، ونظائره كثيرة.

وإن شئت علقت «إذ» بمحذوف، وجعلته خبرا عن «مكرّ»؛ أى: كرورهما فى هذا


(١) سورة البلد الآيتان (١٤،١٥).
(٢) سورة الأعراف الآية (٣٣).
(٣) من قصيدته التى مطلعها: ألا استهزات منى هنيدة أن رأت أسيرا درانى خطوة حلق الحجل انظر: (ديوانه ١٥٢/ ٢).
(٤) فى الديوان ١٥٣/ ٢: «أنا الضامن الراعى عليهم وإنما».
(٥) للمتنخل من قصيدته يرثنى أثيلة ابنه مطلعها: ما بال عينك تبكى دمعها خضل كما وهى شرب الأخدات منزل انظر: (ديوان الهذليين ٣٣/ ٢).
(٦) انظر: (ديوان الهذليين ٣٥/ ٢)، يقول: لا تحرزه الظلم ولا الجبل، لا تحرزه من حتفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>