للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{الْبِرَّ مَنِ اِتَّقى} (١)، إن شئت كان على تقدير ولكنّ البرّ برّ من اتقى، وإن شئت كان تقديره، ولكنّ ذا البرّ من اتّقى.

والتقدير الأول فى هذا أجود عندنا؛ وذلك أن تقديره حذف المضاف من الخبر، أعنى برّ من اتّقى، والخبر أولى بذلك من المبتدأ؛ وذلك أن حذف المضاف ضرب من التوسع، والتوسع آخر الكلام أولى به من أوله، كما أن الحذف والبدل كلما تأخر كان أمثل، من حيث كانت الصدور أولى بالحقائق من الأعجاز وهذا واضح، ولذلك اعتمده عندنا صاحب الكتاب فحمله على أن التقدير: ولكن البرّ برّ من اتّقى.

وأجاز أبو العباس أن يكون الحذف من الأول على ما مضى، وهو لعمرى جائز، إلاّ أن الوجه ما قدمنا ذكره، لكن الحذفين فى قوله: «فَمِنْها رَكُوبُهُمْ» -على ما قدمناه- متساويان، وذلك إن قدّرته على أنه فمن منافعها ركوبهم فإنما حذفت من الخبر؛ لأن تقديره فركوبهم منها، فهو-وإن كان مقدما فى اللفظ-مؤخر فى المعنى. وإن قدرته على معنى فمنها ذو ركوبهم فحسن أيضا، وإن كان مقدما فى المعنى فإنه مؤخر فى اللفظ، فاعرف ذلك.

وأما «ركوبتهم» فهى المركوبة: «كالقتوبة»، والجزوزة، والحلوبة، أى: ما يقتب، ويجزّ، ويحلب. وقد أشبعنا هذا الموضع فى كتابنا المعروف بالخطيب، وهو شرح كتاب المذكر والمؤنث ليعقوب بن السكيت.

***

{مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} (٨٣)

ومن ذلك قراءة طلحة وإبراهيم التيمى والأعمش: «ملكة كلّ شئ» (٢).

قال أبو الفتح: معناه-والله أعلم-سبحان الذى بيده عصمة كل شئ وقدرة كل شئ، وهو من ملكت العجين: إذا أجدت عجنه، فقويته بذلك. ومنه الملك؛ لأنه القدرة على المملوك، ومنه الملك؛ لأن به قوام الأمور.

والملكوت فعلوت منه، زادوا الواو والتاء للمبالغة بزيادة اللفظ، وهذا لا يطلق الملكوت إلاّ على الأمر الأعظم. ألا تراك تقول: ملك البزّاز والعطار والحنّاط، ولا


(١) سورة البقرة الآية (١٧٧).
(٢) وقراءة المطوعى. انظر: (الإتحاف ٣٦٧، القرطبى ٦٠/ ١٥، مجمع البيان ٤٣١/ ٨، الكشاف ٢٣٢/ ٣، البحر المحيط ٣٤٩/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>