للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو الفتح: فى هذه القراءة إشكال، وذلك أن الألف فى «حسرتا» إنما هى بدل من ياء حسرتى. أبدلت الياء ألفا هربا إلى خفة الألف من ثقل الياء، كقولك: يا غلاما ويا صاحبا، وأنت تريد: يا غلامى ويا صاحبى. وأنشد منه قوله (١):

يا بنت عمّا لا تلومى واهجعى (٢)

وذلك أنه أبدل من ياء عمّى ألفا، وليس العمّ منادى. وهذا البدل إنما بابه النداء، كقولك: يا أبا، ويا أمّا وكان-على هذا-ينبغى ألا يأتى بياء المتكلم بعد الألف؛ لأن هذه الألف إنما هى بدل من ياء الضمير، وليس له هناك ياءان، فهذا وجه إشكال هذا، وهو واضح.

والذى عندى فيه أنه جمع بين العوض والمعوّض منه، أعنى البدل والمبدل منه، كمذهب أبى إسحاق وأبى بكر فى قول الفرزدق (٣):

هما نفثا فى فىّ من فمويهما … على النّابح العاوى أشدّ رجام (٤)

أى: مراجمة: وأنه جمع بين الميم والواو، وإنما الميم بدل من الواو. ومثله ما أنشده أبو زيد:

إنّى إذا ما حدث ألمّا … دعوت يا اللهمّ يا اللهمّا؟

فجمع بين «يا» والميم، وإنما الميم فى آخر الاسم عوض من يا فى أوله، إذا قلت:


(١) هو لأبى النجم العجلى يخاطب امرأته، وهى ابنه عمه، وتدعى أم الخيار، ولها يقول: قد أصبحت أم الخيار تدعى علىّ ذنبا كله لم أصنع انظر: (الكتاب ٢١٤/ ٢، النوادر ١٩، شرح المفصل ١٢/ ٢،١٣، العينى ٢٢٤/ ٤، همع الهوامع ٥٤/ ٢، شرح الأشمونى ١٥٧/ ٣، شرح التصريح ١٧٩/ ٢).
(٢) الهجوع: النوم بالليل خاصة.
(٣) انظر: (ديوانه ٧٧١، الكتاب ٣٦٥/ ٣،٦٢٢، المقتضب ٣،١٥٨، مجالس العلماء ٣٥٧، الخصائص ١٧١/ ١،١٤٩/ ٣،٢١٣، المقرب ١٠٠، الإنصاف ٣٤٥، خزانة الأدب ٢٦٩/ ٢، ٤٤٦/ ٣، شرح شواهد الشافية ١١٥/ ٤، همع الهوامع ٥٥/ ١، لسان العرب «فوه»).
(٤) قال الشنتمرى: وصف شاعرين من قومه نزع فى الشعر إليهما، والصواب أنه يذكر إبليس وابنه، أنهما سقيا كل غلام من الشعراء هجاء وكلاما خبيثا؛ بدليل قوله فى البيت قبله: وإن ابن إبليس وإبليس ألبنا هم بعذاب الناس كل غلام نفثا؛ أى: ألقيا على لسانى، وأصل النفث بزق لا ريق معه، ويروى: تفلا؛ أى: بصقا. والنابح، عنى به: من يتعرض للسب والهجو من الشعراء. والرجام: المدافعة، وأصله من المراجمة بمعنى المراماة بالحجارة. انظر: (هامش الكتاب ٣٦٥/ ٣،٣٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>