للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{أَشَهِدُوا} (١٩)

ومن ذلك قراءة الزهرى: «أشهدوا»، بغير استفهام (١).

قال أبو الفتح: أما حذف همزة الاستفهام تخفيفا، كأنه قال: أشهدوا خلقهم؟ كقراءة الجماعة-فضعيف؛ لأن الحذف فى هذا الحرف أمر موضعه الشعر، ولكن طريقه غير هذا.

وهو أن يكون قوله: «أشهدوا خلقهم» صفة ل‍ «إناث»، حتى كأنه قال: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا مشهدا خلقهم هم.

فإن قلت: فإن المشركين لم يدّعوا أنهم أشهدوا خلق ذلك، ولا حضروه.

قيل: اجتراؤهم على ذلك، ومجاهرتهم به، واعتقادهم إياه، وانطواؤهم عليه، فعل من شاهده، وعاين معتقد ما يدعيه فيه، لا من هو شاكّ ومرجّم ومتظنّ، إن لم يكن معاندا ومتخرصا لما لا يعتقده أصلا. فلما بلغوا هذه الغاية صاروا كالمدّعين أنهم قد شهدوا ما تشهروا به وأعصموا باعتقاده.

وهذا كقولك لمن يزكى نفسه، وينفى الخبائث عنها، أو شيئا من الرذائل أن تتمّ عليها: وأنت إذا تقول: إنك معصوم، وهو لم يلفظ بادعائه العصمة، لكنه لما ذهب بنفسه ذلك المذهب صار بمنزلة من قال: أنا معصوم.

ومثله أن يقول الإنسان: القرآن ليس بمعجز، والنبى صلّى الله عليه وسلّم ليس بمرسل، فتقول: أنت: هذا الذى تقول الحق باطل، وهو لم يلفظ بذلك، لكن صورته صورة من لفظ به.

وعليه قول الله سبحانه: {يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} (٢)، إذا تأولت ذلك على أنه كأنه قال: يقول: لمن ضرّه أقرب من نفعه إله، ثم حذفت خبر المبتدأ، وإن كان هو لم يقل ذلك، بل هو يعتقد أن نفعه أقرب من ضرّه، لكنك أخبرت عنه أن صورته مع تحصيلها صورة من يقول: ذلك.

***


(١) وقراءة نافع، والحلوانى. انظر: (الطبرى ٣٦/ ٢٥، البحر المحيط،١٠/ ٨/القرطبى ٧٣/ ١٦، الحجة المنسوب لابن خالويه ٣٢١، الحجة لأبى زرعة ٦٤٨).
(٢) سورة الحج الآية (١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>