والآخر: أن يكون أراد الرفع وصفا للرزّاق، إلا أنه جاء على لفظ القوة لجوارها إياه، على قولهم: هذا حجر ضبّ خرب، وعلى أن هذا فى النكرة-على ما فيه- أسهل منه فى المعرفة؛ وذلك أن النكرة أشد حاجة إلى الصفة، فبقدر قوة حاجتها إليها تتشبث بالأقرب إليها. فيجوز هذا حجر ضبّ خرب؛ لقوة حاجة النكرة إلى الصفة. فأما المعرفة فتقل حاجتها إلى الصفة، فبقدر ذلك لا يسوغ التشبث بما يقرب منها لاستغنائها فى غالب الأمر عنها. ألا ترى أنه قد كان يجب ألا توصف المعرفة، لكنه لما كثرت المعرفة تداخلت فيما بعد، فجاز وصفها، وليس كذلك النكرة: لأنها فى أول وضعها محتاجة-لإبهامها-إلى وصفها.
فإن قلت: إن القوة مؤنثة، والمتين مذكر، فكيف جاز أن تجريها عليها على الخلاف بينهما؟ أو لا ترى أن من قال: هذا حجر ضبّ خرب لا يقول: هذان حجرا ضب خربين لمخالفة الاثنين الواحد؟.
قيل: قد تقدم أن القوة هنا إنما المفهوم منها الحبل، على ما تقدم فكأنه قال: إن الله هو الرزاق ذو الحبل المتين، وهذا واضح.
وأيضا فإن المتين فعيل، وقد كثر مجئ فعيل مذكرا وصفا للمؤنث، كقولهم: حلّة خصيف، وملحفة جديد، وناقة حسير وسديس، وريح خريق.