للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى} (٤٠)

ومن ذلك قراءة طلحة بن سليمان: «أن يحيى الموتى»، ساكنة (١).

قال أبو الفتح: معنى قول ابن مجاهد: أنه قرأه على سكون الياء من «يحيى»، على لغة من قال:

يا دار هند عفت إلا أثافيها (٢)

فأسكن الياء فى موضع النصب، لا أن الياء فى قوله: «يحيى الموتى» ساكنة، وذلك أنه لا ياء هناك فى اللفظ أصلا، لا ساكنة ولا متحركة؛ لأنها قد حذفت لسكونها وسكون اللام من «الموتى».

قال أبو العباس: إسكان هذه الياء فى موضع النصب من أحسن الضرورات، حتى إنه لو جاء به جاء فى النثر لكان جائزا، وشواهد ذلك فى الشعر أكثر من أن يؤتى بها. ومما جاء منه فى النثر قولهم: لا أكلمك حيرى دهر، فأسكن الياء من حيرى، وهى فى موضع نصب، وفيه عندى شئ لم يذكره أبو علىّ ولا غيره من أصحابنا؛ وذلك أن أصله حيرىّ دهر، معناه مدّة الدهر، فكأنه مدة تحيّر الدهر وبقائه، فلما حذفت أخرى الياءين بقيت الياء ساكنة كما كانت قبل الحذف؛ دلالة على أن هذا محذوف من ذلك الذى لو لم يحذف لما كانت ياؤه إلا ساكنة، ومثل ذلك عندى قول الهذلى (٣):

رب هيضل لجب لففت بهيضل (٤)

أراد: ربّ فحذف إحدى الياءين، وبقىّ الثانية مجزومة كما كانت قبل الحذف وإن لم يكن هناك موجب للحركة لالتقاء الساكنين، ولولا ذلك لوجب تسكين باء رب، كتسكين لام هل وبل، ودال قد إذ لا ساكنين هناك فتجب الحركة لالتقائهما. ولهذا نظائر كثيرة فى المجئ باللفظ على حكم لفظ آخر لأنه فى معناه وإن عرى هذا من موجب اللفظ فى ذاك، نحو تصحيح عور وحول لأنهما فى معنى ما لا بدّ من صحته، وهو اعورّ واحولّ.

ولولا الإطالة المعقود على تحاميها، وتجنّب الإكثار بها-لأوسعنا ساحة القول فى هذا ونحوه، ولم نقتصر على ما نورده منه. ولولا ما ردّدناه من شاهد قد مضى هو أو


(١) وقراءة الفيض بن غزوان. انظر: (البحر المحيط ٣٩١/ ٨).
(٢) سبق الاستشهاد به فى (٢١٧/ ١).
(٣) انظر: (ديوان الهذليين ٨٨/ ٢).
(٤) صدره: «أزهير هل عن شيبة من معدل».

<<  <  ج: ص:  >  >>