للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيَّةٌ ... ثَلَاثُ مِيِينٍ إِنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ [ (٣) ]

فَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجِفِينَ كَأَنَّهُمْ ... غَمَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهَا الرِّيحُ تُقْلِعُ [ (٤) ]

وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنَّنَا ... أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبِيشَةَ ظُلَّعُ [ (٥) ]

فَلَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أبي بالثلاث مائة، سُقِطَ فِي أَيْدِي الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَمَّتَا أَنْ تَقْتَتِلَا، وَهُمَا: بَنُو حَارِثَةَ، وَبَنُو سَلِمَةَ كَمَا يُقَالُ، وَصَفَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم المسلمون بِأَصْلِ أُحُدٍ، وَصَفَّ الْمُشْرِكُونَ بِالسَّبَخَةِ الَّتِي قِبَلَ أُحُدٍ وَتَعَبَّأَ الْفَرِيقَانِ لِلْقِتَالِ، وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى خَيْلِهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَمَعَهُمْ مِائَةُ فَرَسٍ وَلَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَرَسٌ، وَحَامِلُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَاشْتَكَى صَاحِبُ لِوَائِهِمْ: طَلْحَةُ بْنُ عُثْمَانَ أَخُو شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ، وَكَانَتْ لَهُمُ الْحِجَابَةُ وَالنَّدْوَةُ وَاللِّوَاءُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: إِنَّ اللِّوَاءَ ضَاعَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قُتِلَ حَوْلَهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَأَرَى أَنْ أُعَارِضَهُمْ بلواء آخر، فقالت بَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَالْأَحْلَافُ: إِنْ شِئْتُمْ فَارْفَعُوا لِوَاءً آخَرَ، وَلَكِنْ لَا يَرْفَعُهُ إِلَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: بَلْ عَلَيْكُمْ بِلِوَائِكُمْ فَاصْبِرُوا عِنْدَهُ.

وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنَ الرُّمَاةِ فَجَعَلَهُمْ نَحْوَ خَيْلِ الْعَدُوِّ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّه بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا الرُّمَاةُ إِذَا أَخَذْنَا مَنَازِلَنَا مِنَ الْقِتَالِ فَإِنْ رَأَيْتُمْ خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ تَحَرَّكَتْ وَانْهَزَمَ أَعْدَاءُ اللَّه فَلَا تَتْرُكُوا مَنَازِلَكُمْ، إِنِّي أَتَقَدَّمُ إِلَيْكُمْ أَنْ لَا يُفَارِقَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ مَكَانَهُ وَاكْفُونِي الْخَيْلَ، فَوَعَزَ إِلَيْهِمْ فَأَبْلَغَ، وَمِنْ نَحْوِهِمْ كَانَ الَّذِي نَزَلَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ والذي أصابه.


[ (٣) ] النصيّة: الخيار من القوم.
[ (٤) ] (موجف) : مسرع.
[ (٥) ] بيشة: اسم موضع تنسب إليه الأسود، وظلّع: جمع ظالع، وهو من صفة الأسود، وفي رواية: ضلّع.