فَلَمَّا عَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ عَهْدَهُ فِي الْقِتَالِ، وَكَانَ حَامِلَ لِوَاءِ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنَا عَاصِمٌ إِنْ شَاءَ اللَّه لِمَا مَعِي، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ- يَعْنِي طَلْحَةَ بْنَ عُثْمَانَ-: هَلْ لَكَ يَا عَاصِمُ فِي الْمُبَارَزَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَبَدَرَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَضَرَبَ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ طَلْحَةَ حَتَّى وَقَعَ السَّيْفُ فِي لِحْيَتِهِ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ قَتْلُ صَاحِبِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ تَصْدِيقًا لَرُؤْيَا رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إِنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا، فَلَمَّا صُرِعَ صَاحِبُ اللِّوَاءِ انْتَشَرَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَصَارُوا كَتَائِبَ مُتَفَرِّقَةً، فَجَاسُوا الْعَدُوَّ ضَرْبًا حَتَّى أَجْهَضُوهُمْ عَنْ أَثْقَالِهِمْ، وَحَمَلَتْ خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ تُنْضَحُ بِالنَّبْلِ فَتَرْجِعُ مَغْلُولَةً، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ فَنَهَكُوهُمْ قَتْلًا، فَلَمَّا أَبْصَرَ الرُّمَاةُ الْخَمْسُونُ إن اللَّه عز وجل قَدْ فَتَحَ لِإِخْوَانِهِمْ، قَالُوا: واللَّه مَا نَجْلِسُ هَاهُنَا لِشَيْءٍ، قَدْ أَهْلَكَ اللَّه الْعَدُوَّ وَإِخْوَانُنَا فِي عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ:
عَلَى مَا نَصُفُّ وَقَدْ هَزَمَ اللَّه الْعَدُوَّ، فَتَرَكُوا مَنَازِلَهُمُ الَّتِي عَهِدَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ أَلَّا يَتْرُكُوهَا، وَتَنَازَعُوا وَفَشَلُوا، وَعَصَوَا الرَّسُولَ، فَأَوْجَفَتِ الْخَيْلُ فِيهِمْ قَتْلًا، وَكَانَ عَامَّتُهُمْ فِي الْعَسْكَرِ، فَلَمَّا أَبْصَرُوا ذَلِكَ الرِّجَالُ الْمُتَفَرِّقَةُ أَنَّ الْخَيْلَ قَدْ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتِ: اجْتَمَعُوا وَأَقْبَلُوا وَصَرَخَ صَارِخٌ أُخْرَاكُمْ أُخْرَاكُمْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُقِطَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ وَأَكْرَمَهُمُ اللَّه بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ وَأَصْعَدَ النَّاسُ فِي الشِّعْبِ لَا يَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ، وَثَبَّتَ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وسلم حِينَ انْكَشَفَ عَنْهُ مَنِ انْكَشَفَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ حَتَّى جَاءَهُ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الْمِهْرَاسِ [ (٦) ] فِي الشِّعْبِ، فَلَمَّا فُقِدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ فَيُؤَمِّنُونَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ فَإِنَّهُمْ دَاخِلُونَ الْبُيوتَ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون
[ (٦) ] المهراس: اسم ماء بأقصى شعب أحد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute