قَالَ: فَأَقَامُوا مَعَ أَبِي جَنْدَلِ وَأَبِي بَصِيرٍ لَا يَمُرُّ بِهِمْ عِيرُ قُرَيْشٍ إِلَّا أَخَذُوهَا، وَقَتَلُوا أَصْحَابَهَا، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ يَسْأَلُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى أَبِي بَصِيرٍ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ، وَمَنْ مَعَهُ فَقَدِمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: مَنْ خَرَجَ مِنَّا إِلَيْكَ فَأَمْسِكْهُ غَيْرَ حَرِجٍ أَنْتَ فِيهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وَالرَّكْبَ قَدْ فَتَحُوا عَلَيْنَا بَابًا لَا يَصْلُحُ إِقْرَارُهُ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا أَشَارُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَمْنَعَ أَبَا جَنْدَلٍ مِنْ أَبِيهِ بَعْدَ الْقَضِيَّةِ أَنَّ طَاعَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ خَيْرٌ لَهُمْ فِيمَا أَحَبُّوا وَفِيمَا كَرِهُوا مِنْ رَأْيِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ لَهُ قُوَّةً هِيَ أَفْضَلُ مِمَّا خَصَّ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْعَوْنِ وَالْكَرَامَةِ، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ وَأَصْحَابُهُمَا الَّذِينَ اجْتَمَعُوا إِلَيْهَا هُنَالِكَ حَتَّى مَرَّ بِهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، وَكَانَ تَحْتَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الشَّامِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَخَذُوهُمْ وَمَا مَعَهُمْ وَأَسَرُوهُمْ وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا لِصِهْرِ أَبِي الْعَاصِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو الْعَاصِ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا، وَخَلَّوْا سَبِيلَ أَبِي الْعَاصِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ أَبِيهَا كَانَ أَذِنَ لَهَا أَبُو الْعَاصِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ أَنْ تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَتَكُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهَا أَبُو الْعَاصِ فِي أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَسَرَ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ وَمَا أَخَذُوا لَهُمْ، فَكَلَّمَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ،
فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «إِنَّا صَاهَرْنَا نَاسًا، وَصَاهَرْنَا أَبَا الْعَاصِ، فَنِعْمَ الصِّهْرُ وَجَدْنَاهُ، وَإِنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فِي أَصْحَابٍ لَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَخَذَهُمْ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ، فَأَسَرُوهُمْ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، وَإِنَّ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتَنِي أَنْ أُجِيرَهُمْ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُجِيرُونَ أَبَا الْعَاصِ وَأَصْحَابَهُ؟» فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ،
فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا جَنْدَلٍ وَأَصْحَابَهُ قول رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي الْعَاصِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ مِنَ الْأَسْرَى رَدَّ إِلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْهُمْ حَتَّى الْعِقَالَ، وَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي جندل وأبي بصير يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُ مَنْ مَعَهُمَا مِمَّنِ اتَّبَعَهُمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْجِعُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute