للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] يمس واسطة الرحل تواضعا لله تعالى وإعلاما لأصحابه أن ما وقع إنما هو بحول الله تعالى، لا بكثرة من معه من الجمع وإنما جعلهم سببا لطفا منه بهم، ولذلك نبه من ظن منهم او هجس في خاطره ان للجمع مدخلا فيما وقع من الهزيمة في حنين أولا وما وقع بعد من النصرة بمن ثبت مع النبي صلّى الله عليه وسلم وهم لا يبلغون ثلاثين نفسا. ولما امر بذلك فأرشد السياق الى أن التقدير: وتب إليه، علله مؤكدا لأجل استبعاد من يستبعد مضمون ذلك من رجوع الناس في الردة ومن غيره بقوله: (إنه) اي المحسن إليك بخلافته لك في أمتك، ويجوز أن يكون التأكيد دلالة ما تقدم من ذكر الجلالة مرتين على غاية العظمة والفوت على الإدراك بالاحتجاب بأردية الكبرياء والعزة والتجبر والقهر، مع أن المألوف أن من كان على شيء من ذلك كان بحيث لا يقبل عذرا ولا يقبل نادما. (كان) أي لم يزل (توابا) أي رجاعا لمن ذهب به الشيطان من أهل رحمته. فهو الذي رجع بأنصارك عما كانوا عليه من الاجتماع على الكفر والاختلاف بالعداوات فأيدك بدخولهم في الدين شيئا فشيئا حتى اسرع بهم بعد سورة الفتح الى أن دخلت مكة في عشرة آلاف، وهو أيضا يرجع بك الى الحال التي يزداد بها ظهور رفعتك في الرفيق الأعلى، ويرجع بمن تخلخل من أمتك في دينه بردة أو معصية دون ذلك [إلى ما كان عليه من الخير ويسير بهم أحسن سير] .
«فقد رجع آخر السورة الى أولها بأنه لولا تحقق وصفه بالتوبة لما وجد الناصر الذي وجد به الفتح، والتحم مقطعها اي التحام بمطلعها، وعلم ان كل جملة منها مسببة عما قبلها، فتوبة الله تعالى على عبيده نتيجة توبة العبد باستغفاره الذي هو طلب المغفرة بشروطه، وذلك ثمرة اعتقاده الكمال في ربه تبارك وتعالى، وذلك ما دل عليه إعلاؤه لدينه وفسره للداخلين فيه على الدخول مع أنهم أشد الناس شكائم وأعلاهم همما وعزائم وقد كانوا في غاية الإباء له والمغالبة للقائم به، وذلك هو فائدة الفتح الذي هو آية النصر. وقد علم أن بالآية الأخيرة من الاحتباك ما دل بالأمر بالاستغفار [على الأمر] بالتوبة وبتعليل الأمر بالتوبة على تعليل الأمر بالاستغفار» .
انتهى ما أوردته من كلام الشيخ برهان الدين البقاعي، وتأتي بقيته في الوفاة النبوية إن شاء الله تعالى.