(والفتح) اي الذي نزلت سورته بالحديبية مبشرة بغلبة حزبه الذي أنت قائدهم وهاديهم ومرشدهم [لا سيما] على مكة التي لها بيته ومنها ظهر دينه، وبها كان أصله وفيها مستقر عموده وعز جنوده، فذل بذلك جميع العرب، [وقالوا: لا طاقة لنا بمن أظفره الله بأهل الحرم] ففروا بهذا الذل حتى كان ببعضهم هذا الفتح، ويكون بهم كلهم فتح جميع البلاد، وللإشارة الى الغلبة على جميع الأمم ساقه تعالى في أسلوب الشرط ولتحققها عبر عنه «بإذا» . «ورأيت الناس) أي العرب الذين كانوا حقيرين عند جميع الأمم فصاروا بك هم الناس وصار سائر اهل الأرض لهم اتباعا. «يدخلون» شيئا فشيئا فشيئا محددا دخولهم مستمرا (في دين الله) أي شرع من لم تزل كلمته هي العليا في حال الخلق بقهره لهم على الكفر [الذي لا يرضاه لنفسه عاقل ترك الحظوظ] وفي حال طواعيتهم بقسره لهم على الطاعة وعبر عنه بالدين الذي معناه الجزاء لأن العرب كانوا لا يعتقدون القيامة التي لا يتم الجزاء إلا بها. (أفواجا) أي قبائل وزمرا، زمرا وجماعات كثيفة كالقبيلة بأسرها أمة بعد امة، في خفة وسرعة ومفاجأة ولين، واحدا واحدا أو نحو ذلك، لأنهم قالوا: أما إذا ظفر بأهل الحرم وقد كان الله تعالى أجارهم من اصحاب الفيل [الذين لم يقدر احد على ردهم] فليس لنابه يدان [فتبين من هذا القياس المنتج هذه النتيجة البديهية بقصة اصحاب الفيل ما رتبه الله إلا إرهاطا لنبوته وتأسيسا لدعوته فألقوا بأيديهم وأسلموا قيادهم حاضرهم وباديهم] . ولما كان التقدير: فقد سبح الله تعالى نفسه بالحمد بإبعاد نجس الشرك عن جزيرة العرب بالفعل قال: (فسبح) أي نزه أنت بقولك وفعلك [بالصلاة وغيرها] موافقة لمولاك لما فعل تسبيحا ملبسا (بحمد) أي بكمال (ربك) [الذي أنجز لك الوعد بإكمال الدين وقمع المعتدين] المحسن إليك بجميع ذلك لأن كله لكرامتك وإلا فهو عزيز حميد على كل حال تعجبا [لتيسير الله على هذا الفتح ما لم يخطر بالبال] وشكرا لما أنعم به سبحانه عليه من انه أراه تمام ما أرسل لأجله ولأن كل حسنة يعملها اتباعه له مثلها. «ولما أمره صلّى الله عليه وسلم بتنزيهه عن كل نقص ووصفه بكل كمال مضافا الى الرب، امره بما يفهم منه العجز عن الوفاء بحقه لما له من العظمة المشار إليها بذكره مرتين بالاسم الأعظم الذي له من الدلالة على العظم والعلو الى محل الغيب الذي لا مطمع في دركه مما تتقطع الأعناق دونه فقال: (واستغفره) أي اطلب غفرانه إنه كان غفارا، إيذانا بأنه لا يقدر أحد أن يقدره حق قدره لتقتدي بك أمتك في المواظبة على الأمان الثاني لهم، فإن الأمان الأول الذي هو وجودك بين أظهرهم قد دنا رجوعه الى معدنه في الرفيق الأعلى والمحل الأقدس، وكذا فعل صلّى الله عليه وسلم يوم دخل مكة مطأطئا رأسه حتى انه ليكاد