للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْآنَ، وَيَبْقَى مَا بَقِيَ الدَّهْرُ كَذَلِكَ مَحْفُوظًا حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ لَا تَجْرِي عَلَيْهِ زِيَادَةٌ: وَلَا نُقْصَانٌ كَمَا قَالَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ... [ (٣٠) ] .


[ () ] الضرب الثاني: ما نسخ حكمه دون تلاوته، وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة، وهو على الحقيقة قليل جدا، وإن اكثر الناس من تعداد الآيات فيه، فإن المحققين منهم كالقاضي أبي بكر ابن العربي بين ذلك وأتقنه.
والذي أقوله: إن الذي أورده المكثرون أقسام: قسم ليس من النسخ في شيء ولا من التخصيص، ولا له بهما علاقة بوجه من الوجوه، وذلك مثل قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ، ونحو ذلك. قالوا: إنه منسوخ بآية الزكاة، وليس كذلك بل هو باق، أمّا الأولى فإنها خبر في معرض الثناء عليهم بالإنفاق، وذلك يصلح ان يفسّر بالزكاة وبالإنفاق على الأهل وبالإنفاق في الأمور المندوبة كالإعانة والإضافة، وليس في الآية ما يدل على أنها نفقة واجبة غير الزكاة، والآية الثانية يصلح حملها على الزكاة، وقد فسّرت بذلك.
وكذا قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ، قيل: إنها ممّا نسخ بآية السيف، وليس كذلك، لأنه تعالى أحكم الحاكمين أبدا، لا يقبل هذا الكلام النّسخ، وإن كان معناه الأمر بالتفويض وترك المعاقبة.
وقوله في البقرة: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً، عدّه، بعضهم من المنسوخ بآية السيف. وقد غلّطه ابن الحصّار بأنّ الآية حكاية عمّا أخذه على بني إسرائيل من الميثاق، فهو خبر لا نسخ فيه، وقس على ذلك.
وقسم هو من قسم المخصوص، لا من قسم المنسوخ، وقد اعتنى ابن العربي بتحريره فأجاد، كقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا، وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ... ، فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، وغير ذلك من الآيات التي خصّت باستثناء أو غاية، وقد أخطأ من أدخلها في المنسوخ.
ومنه قوله: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، قيل إنه نسخ بقوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، وإنما هو مخصوص به.
وقسم رفع ما كان عليه الأمر في الجاهلية أو في شرائع من قبلنا، أو في أوّل الإسلام ولم ينزل في القرآن، كإبطال نكاح نساء الآباء، ومشروعية القصاص والدّية، وحصر الطّلاق في الثلاث، وهذا إدخاله في قسم الناسخ قريب، ولكن عدم إدخاله أقرب، وهو الذي رجّحه مكّيّ وغيره، ووجّهوه بأن ذلك لوعدّ في الناسخ لعدّ جميع القرآن منه، إذ كلّه أو أكثره رافع لما كان عليه الكفّار وأهل الكتاب. قالوا: وإنما حقّ الناسخ والمنسوخ ان تكون آية نسخت آية. انتهى.
[ (٣٠) ] الآية الكريمة (٤٢) من سورة فصلت.