للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدم رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، يَعْنِي مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَعَاشَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَهَا. بَعْدَ صَدَرَةِ الْمُحَرَّمِ، وَاشْتَكَى فِي صَفَرٍ، فَوَعِكَ أَشَدَّ الْوَعْكِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نِسَاؤُهُ كُلُّهُنَّ يُمَرِّضْنَهُ. وَقَالَ نِسَاؤُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ لَيَأْخُذُكَ وَعْكٌ مَا وَجَدْنَا مِثْلَهُ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ [غَيْرَكَ] [ (١٠) ] . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمَا يُعَظَّمُ لَنَا الْأَجْرُ، كَذَلِكَ يَشْتَدُّ عَلَيْنَا الْبَلَاءُ.

وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَعْكُ أَيَّامًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَنْحَازُ إِلَى الصَّلَوَاتِ حَتَّى غُلِبَ فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَأَذَّنَهُ بِالصَّلَاةِ فَنَهَضَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنَ الضَّعْفِ، وَنِسَاؤُهُ حَوْلَهُ، فَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: اذْهَبْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَأْمُرْهُ فَلْيُصَلِّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ: وَإِنَّهُ إِنْ أَقَامَ فِي مَقَامِكَ بَكَى فَأْمُرْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَتْ: فَعُدْتُ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ.

قَالَتْ: فَصَمَتُّ عَنْهُ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، حَتَّى كَانَتْ لَيْلَةُ الْإِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَقْلَعَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَعْكُ، فَأَصْبَحَ مُفِيقًا، فَغَدَا إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ يَتَوَكَّأَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَغُلَامٍ لَهُ يُدْعَى نُوبَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ سَجَدَ النَّاسُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي الْأُخْرَى، فَتَخَلَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّفُوفَ، يُفْرِجُونَ لَهُ، حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبِهِ، فَقَدَّمَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَصَفَّا جَمِيعًا، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا قَضَى أَبُو بَكْرٍ قُرْآنَهُ، قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَمَّ فَرَكَعَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ [ (١١) ] ، ثُمَّ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ قَضَى سُجُودَهُ، يَتَشَهَّدُ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ، أَتَمَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ انصرف إلى جزع من جزوع الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ يَوْمَئِذٍ سَقْفُهُ من جريد،


[ (١٠) ] سقطت من (ف) .
[ (١١) ] في (ف) : «الأخيرة» .