العالمية، لا تحتاج منا- نحن المسلمين- الى تعليل- ذلك أننا نؤمن بأنه كلام الله أنزله على رسوله، ولكننا نرى من الطريف أن نورد هنا رأيين لمستشرقيين ذاعت شهرتهما عن جدارة.. يقول «سفري» - وهو أول من ترجم القرآن الى الفرنسية: «كان محمد عليما بلغته، وهي لغة لا نجد على ظهر البسيطة ما يضارعها غنى وانسجاما- إنها بتركيب أفعالها، يمكنها أن تتابع الفكر في طيرانه البعيد، وتصفه في دقة دقيقة.. وهي بما فيها من نغم موسيقي تحاكي أصوات الحيوانات المختلفة، وخرير المياه المنسابة، وهزيم الرعد، وقصف الرياح.
كان محمد عليما- كما قلت- بتلك اللغة الأزلية التي تزينت بروائع كثير من الشعراء، فاجتهد محمد أن يحلي تعاليمه بكل ما في البلاغة من جمال وسحر..
ولقد كان الشعراء في الجزيرة العربية يتمتعون من التقدير بأسمى مكانة..
ولقد علق لبيد بن ربيعة، الشاعر المشهور، إحدى قصائده على باب الكعبة، وحالت شهرته وقدرته الشاعرية دون أن ينبري له المنافسون، ولم يتقدم احد لينازعه الجائزة..
وذات يوم علق بجانب قصيدته السورة الثانية من القرآن (وقيل السورة الخامسة والخمسين) فأعجب بها لبيد أيما إعجاب، رغم أنه مشرك، واعترف بمجرد قراءة الآيات الأولى بأنه قد هزم، ولم يلبث أن أسلم..
وفي ذات يوم سأله المعجبون به عن أشعاره، يريدون جمعها في ديوان، فأجاب:
«لم أعد أتذكر شيئا من شعري، إذ أن روعة الآيات المنزلة لم نترك لغيرها مكانا في ذاكرتي» .