للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ملحوظات متعلقة بمسألة السفر]

الملحوظة الأولى: أن بعض الناس ينطلقون إلى السفر في الطاعات ولا يقلعون عن المعاصي فتجد المزمار، والدخان، والمعصية كاملة ولا يتغير من حاله شيء.

فنقول: أنت انطلقت لتجلب الحسنات، ولتبعد عن نفسك آثار السيئات، فاترك المعاصي حتى تُقْبَل منك الدعوة.

الملحوظة الثانية: عدم كتابة الوصية.

الملحوظة الثالثة: عدم ذكر الدعاء عند توديع المسافر، فلا يقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك.

الملحوظة الرابعة: عدم الحرص على الرفقة الصالحة.

الملحوظة الخامسة: عدم توصية المسافر بالدعاء للمقيمين، وذلك كما فعل ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه.

الملحوظة السادسة: سفر المسافر وحده.

الملحوظة السابعة: ترك دعاء السفر، فتجد كثيراً من الناس يتركون الدعاء، وأنا قلت لكم، ووعدتُ -وأسأل الله الإعانة- بمحاضرة أسميها: (الترقيع والتأصيل في الأمة المعاصرة) أُسَمِّي هذا من الترقيع الذي نعيشه: وضع دعاء السفر في السيارة، هذا من الترقيع، ووضع كفارة المجلس في المجلس، هذا من الترقيع، وتعليق الآيات في البيت، هذا من الترقيع وليس من التأصيل، وتجد أن المسلم من الترقيع الذي يعيشه كلما سافر يقول لإخوانه: يا إخوان، لا تنسوا دعاء السفر، لا تنسوا دعاء السفر، سبحان الله! الصحابة علمهم المصطفى صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، وكثير ما كان يسافر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يقول للصحابة: أيها الصحابة! لا تنسوا دعاء السفر في كل مرة، بل أخذوه مرة، فعَلِق في القلوب، فعملت به الجوارح تلقائياً.

ولهذا تجد أنه لو لم يذكَّر الناس بدعاء السفر لَنَسُوه حتى يصلوا إلى مكة، ثم يقولوا نسينا دعاء السفر، وإذا رجعوا نسوا دعاء الوصول إلى البلد، وهذا من عدم التأصيل والتمكين في نفوس الأمة.

الملحوظة الثامنة: عدم التسبيح عند النزول، وعدم التكبير عند الصعود.

الملحوظة التاسعة: عدم الدعاء بدعاء النزول، وهو: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) .

الملحوظة العاشرة: عدم الحرص على النفقة الحلال.

الملحوظة الحادية عشرة: عدم التفقه في أحكام الحج.

الملحوظة الثانية عشرة: استماع آلات الزمر والطرب في أثناء الطريق وفي الرجوع، وكنتُ عجبتُ ذات مرة من شيء رأيتُه؛ كنا في يوم عرفة، وإذا ببعض الحجاج -هداهم الله- في يوم عرفة مع أحدهم الجراك والشيشة، في عصر يوم عرفة، ومعه أجهزة الزمر والطرب، الناس يتعرضون لرحمة أرحم الراحمين، وهذا يجاهر الله في هذا اليوم، فكان الأولى به أن يستحي في مثل هذا الموقف العظيم الذي يدنو الله فيه من عباده، ويحصل فيه الأجر والثواب من الله تعالى لهؤلاء الأخيار، وتجاب الدعوات.

الملحوظة الثالثة عشرة: سفر المرأة بدون محرم، وأُعَرٍّج إلى لطيفة: أننا نجد كثيراً من الناس يسافرون بالخادمات معهم بدون محرم، ويصبح المحرم (أُلُبُو) وهي تسمي الوالد: (بابا) ، وتذهب مع (بابا) و (ماما) ، ويصبح (بابا) هذا محرمها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلةً إلا مع ذي محرم) فننبه على هذه المسألة حتى لا يقع الإنسان في حرج ومعصية، أو مخالفة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.

الملحوظة الرابعة عشرة: يُسَنُّ للمسافر إذا رجع إلى بلده أول ما يقدم أن يصل إلى المسجد وكثير من الناس همه البيت والأولاد.

كان الرسول صلى الله عليه وسلم من هديه أول ما يقدم فإنه يأتي إلى المسجد، فيصلي لله ركعتين شكراً على سلامة وصوله، ويستشعر أنه قدم من مشقة، ورجع إلى الإقامة، ثم بعد ذلك يعود فينطلق إلى بيته، فيأتي إلى أهله ليقضي حاجاتهم.

الملحوظة الخامسة عشرة: الطروق على الأهل ليلاً، فتجد بعض الناس يصِل الساعة الثانية والنصف، أو الثالثة، أو قبل الفجر بساعة، فيطرق الباب: افتحوا.

فإذا قيل: مَن؟ قال: أنا وصلت إليكم.

إذاً! أنت الآن أزعجتهم من النوم وأتعبتهم، وجعلتهم في مشقة عظيمة.

فكان الأَولى أن تبيت قبل دخولك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى الصحابة عن الطروق ليلاً.

وقد ذكرتُ لكم لعَلي في قصة غزوة ذات المريسيع، لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث نهى عن الطروق ليلاً، فأراد عبد الله بن رواحة مع جابر بن عبد الله أن يرجعا في آخر الليل، فـ عبد الله بن رواحة قال: [لن أرجع، وأما جابر فقال: سأرجع.

فلما وصل إلى بيته نظر إلى فراش زوجته وإذا شخص آخر نائمٌ معها في الفراش، فاعتلى بالسيف يريد أن يقتله؛ إذْ كيف يكون مع زوجته؟! لكنه قال: وقفتُ مع نفسي، وقلت: أوقظها، فحرَّك رِجْل زوجته، وقال: من الذي معك؟ قالت: إنها ماشطة رأسي قد نامت معي، تؤنسني من الوحشة] فلو أنه قتلها في الليل لكان قتل مسلمة.

فكان الأولى له ألا يطرق في الليل.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطروق لأمرين: الأول: لتستحدَّ المغَيَّبة.

الثاني: لتمتشط الشَّعِثَة: فقد يدخل الإنسان على أهله في الليل، ويجد طَلْع شعرها كأنه رءوس الشياطين؛ شَعِثَة، فيه الغبار، ما تجملت بعد ولا تزينت.

فكان الأولى للمسلم إذا جاء إلى أهله ليلاً ماذا يعمل؟ يمكن للإنسان ألا يتعبهم، وإنما يتركهم حتى الصباح، ويرسل أحداً: إني وصلت، فتتجمل المرأة وتتحسن، وتستقبله بوجهٍ باش، بدلاً من أن تستقبله بوجه ثلاثة أرباعه نوم، وقوامها مائل، وشكلها مريع ومخيف.

فإن هذا من الجهل والخطأ.

فكان الأولى أن يتأدب المسلم بآداب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

الملحوظة السادسة عشرة: أن الناس ينطلقون مع الوالد والوالدة والإخوان ولا يؤَمِّرون عليهم أحداً أثناء السفر.

فيقول هذا: قف هنا! ويقول الآخر: لا.

قف هناك! ويقول الثالث: لا.

بل الأحسن أن تقف بعد قليل! فيحدث من النزاع والخصومات في الطريق ما الله بها عليم.

فلو كان ثَمَّ أمير نسمع له ونطيع لكان أفضل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بطاعة أمير السفر، فإذا أمر أمير السفر ألا ينزل أحد من السيارة، فمن نزل من السيارة لغير ضرورة فإنه عاصٍ لله ولرسوله، وهو أمير، قد يقول رجل: هذا من زملائي، لماذا يتأَمَّر علينا؟! نقول: هذه سنتنا، وهذا ديننا، نؤمِّره ونسمع ونطيع لله ولرسوله، حتى ينضبط الأمر، فتجد بعض المسافرين الذين لا يؤمِّرون إذا وقفوا ليعبئوا (بترولاً) ينزلون في الطريق، وينتشر الأولاد والبنات، وينطلق بعض الزملاء, وتتفرق السيارات، فيحتاجون إلى ساعة إلا ربع ساعة حتى يجمعوا الشباب الذين معهم، فلو كان الأمر مرتَّباً بضبطه على ضوء كلام هذا الأمير لكان السمع والطاعة ولم يكن هناك اختلاف إطلاقاً، ولَحَرِصَ المسلمُ على أن ينضبط في سلوكه.

فهذا هو الأمير؛ طاعته لا بد منها في السفر، أما أن يأتينا شخص ويقول: أنا أمير عليكم في المسجد، فلا أحد يكون أميراً، ولا غيره، ولا سمع ولا طاعة إلا لولاة الأمر الذين ولاهم الله علينا، وما عداهم فلا نؤمِّر أحداً إطلاقاً.

الملحوظة السابعة عشرة: بعض الناس في السفر إذا كانوا في الطريق وغربت عليهم الشمس، فإنهم ينسون أذكار الصباح وأذكار المساء، وهذا من الجهل، فإن المسافر ينبغي له أن يتحصن، ويحرص على وردَي الصباح والمساء.

الملحوظة الثامنة عشرة: بعض الناس يظن أن السنن الرواتب ما دامت قد سقطت على المسافر فإن كل شيء من السنن يسقط، كسنة الوضوء، وسنة الضحى، وتحية المسجد إلى غير ذلك، فتجد الإنسان قد أسقط جميع النوافل، فيقول: الحمد لله الذي لم يجعل علينا في الدين من حرج، فلو نظرنا إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم لوجدنا أنه كان يصلي على راحلته أينما توجَّهَت به، ما ترك التنفُّل صلى الله عليه وسلم، فكان يصلي ذوات الأسباب، أما ما عداها من السنن والرواتب، فإنها تُخَفَّف، ولا حاجة لصلاتها، فإن ابن عمر رضي الله عنه يقول: [لو كنتُ مسبحاً لأتممتُ] أي: لو كنتُ مصلياً السنن الرواتب لأتممتُ، فما دام قد خُفِّفت علينا الصلوات؛ فلا سنن رواتب، فكانت الأربع اثنتين، وهل تكون الثلاث ركعة ونصف الركعة؟! لا.

بل تظل ثلاثاً، فهذا لا يمكن إطلاقاً، وإن كنت قد سمعتُ أنه يوجد من الناس -هداه الله- مِن فِقْهِه -وهذا من الجهل وليس من الفقه- أنه أفتى لبعض زملائه أن يصلوا المغرب اثنتين قصراً.

وهذا من الجهل وخلاف إجماع الأمة إلى قيام الساعة، ولم يحدث أن أحداً قال بهذا القول.

وهذا من جهله وعدم معرفته.

الملحوظة التاسعة عشرة: وأنبِّه إخواني عليها، وأشدِّد فيها، وهي ليست واجبة؛ وهي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته أينما توجَّهَتْ به.

مَن منا إذا ركب في السيارة في السفر قال: الله أكبر، فصلى لله ركعتين، وهو في السيارة؟! بل تجد مِن أندر الناس مَن يفعل هذه السنة.

فيمكنك إذا ذهبتَ مع والدك أو والدتك اسألهم: هل أنتم على وضوء؟ فإن قالوا: الحمد لله.

فقل: إذاً: صلوا لله ركعتين.

تجد العوام يقولون: أنصلي ركعتين لا سجود ولا ركوع فيهما داخل السيارة وهذا فيه مشقة، وإذا نزلنا يمكن للواحد منا حينئذٍ أن يتسنن؟!! وهذا من الجهل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان وهو على بعيره يصلي أينما توجه البعير به، يقول بعض الناس: لا نستقبل القبلة ولا نركع ولا نسجد، فما هذه الصلاة التي عندنا؟! نقول: نحن جهلنا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكان الأولى بنا أن نقتدي به.

وأنبِّه إخواني إذا ركبوا السيارة بالنسبة للسائق: ألا يفعل، الله الله ألا يفعل! تجده أمام السيارة ويكاد يسقط، ثم يقول: الله أكبر ساجداً، ثم يعمل لنا حادثاً! فيقول: أنا والله كنتُ أتنفَّل! لا يمكن هذا إطلاقاً، بل يُخشى عليه أن يأثم بهذا الفعل.

فنقول لهذا الشخص: لا تفعل هذا إطلاقاً؛ لأن أدنى حركة من قائد السيارة كأن يقول: الله أكبر، تنحرف السيارة بها، ومن ثَمَّ يسقط من (كوبري) ثم بعد ذلك يقول: سمع الله لمن حمده بعد الانقلاب.

فهذا من الخطأ ومن الجهل.

فنقول للإمام: لا تفعل هذا إط

<<  <  ج: ص:  >  >>